يعني تعالى ذكره بذلك: تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته.
وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله: تلك حدود الله مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى. ثم قال لهم تعالى ذكره: هذه الأشياء التي بينت لكم حلالها من حرامها حدودي، يعني به: معالم فصول ما بين طاعتي ومعصيتي فلا تعتدوها يقول: فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه، ولا طاعتي إلى معصيتي، فإن من تعدى ذلك يعني من تخطاه وتجاوزه إلى ما حرمت عليه أو نهيته، فإنه هو الظالم، وهو الذي فعل ما ليس له فعله، ووضع الشئ في غير موضعه.
وقد دللنا فيما مضى على معنى الظلم وأصله بشواهده الدالة على معناه، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا، غير أن معنى ما قالوا في ذلك (يرجع) إلى معنى ما قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
3854 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها يعني بالحدود: الطاعة.
3855 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها يقول: من طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلم نفسه، ومن يتعد حدود الله، فأولئك هم الظالمون.
قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكر عن الضحاك لا معنى له في هذا الموضع، لأنه لم يجر للطلاق في العدة ذكر، فيقال: تلك حدود الله، وإنما جرى ذكر العدد الذي يكون