تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره. والآخر: أن الآية التي في سورة النساء إنما حرم الله فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئا مما آتاها، بأن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من المسلمين عليهما بمقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود الله، ولا نشوز من المرأة على الرجل. وإذا كان الامر كذلك، فقد بينا أن أخذ الزوج من امرأته مالا على وجه الاكراه لها والاضرار بها حتى تعطيه شيئا من مالها على فراقها حرام، ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا. وأما الآية التي في سورة البقرة، فإنها إنما دلت على إباحة الله تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله بنشوز المرأة، وطلبها فراق الرجل، ورغبته فيها. فالامر الذي أذن به للزوج في أخذ الفدية من المرأة في سورة البقرة ضد الامر الذي نهى من أجله عن أخذ الفدية في سورة النساء، كما الحظر في سورة النساء غير الطلاق والإباحة في سورة البقرة. فإنما يجوز في الحكمين أن يقال أحدهما ناسخ إذا اتفقت معاني المحكوم فيه، ثم خولف بين الاحكام فيه باختلاف الأوقات والأزمنة. وأما اختلاف الاحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حال واحدة ووقت واحد، فذلك هو الحكمة البالغة، والمفهوم في العقل والفطرة، وهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل.
وأما الذي قاله الربيع بن أنس من أن معنى الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه، يعني بذلك: مما آتيتموهن، فنظير قول بكر في دعواه نسخ قوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت به بقوله: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا لادعائه في كتاب الله ما ليس موجودا في مصاحف المسلمين رسمه. ويقال لمن قال بقوله: قد قال من قد علمت من أئمة الدين: إنما معنى ذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها، فهل من حجة تبين تهافتهم غير الدعوى، فقد احتجوا بظاهر التنزيل، وادعيت فيه خصوصا. ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في شئ من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وقد بينا الأدلة بالشواهد على صحة قول من قال للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته المفتدية التي أباح الله لها الافتداء في كتابنا كتاب اللطيف فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
القول في تأويل قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.