عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما قتل أصحاب رسول الله (ص) عمرو بن الحضرمي في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب، أرسل المشركون إلى رسول الله (ص) يعيرونه بذلك، فقال: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وغير ذلك أكبر منه: صد عن سبيل الله، وكفر به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر من الذي أصاب محمد (ص).
وأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في الذي ارتفع به قوله: وصد عن سبيل الله فقال بعض نحويي الكوفيين في رفعه وجهان: أحدهما: أن يكون الصد مردودا على الكبير، يريد: قل القتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به، وإن شئت جعلت الصد كبيرا، يريد به: قل القتال فيه كبير، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به، قال: فأخطأ، يعني الفراء في كلا تأويليه، وذلك أنه إذا رفع الصد عطفا به على كبير، يصير تأويل الكلام: قل القتال في الشهر الحرام كبير، وصد عن سبيل الله، وكفر بالله. وذلك من التأويل خلاف ما عليه أهل الاسلام جميعا، لأنه لم يدع أحد أن الله تبارك وتعالى جعل القتال في الأشهر الحرم كفرا بالله، بل ذلك غير جائز أن يتوهم على عاقل يعقل ما يقول أن يقوله، وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرة صحيحة، والله جل ثناؤه يقول في أثر ذلك: وإخراج أهله منه أكبر عند الله؟
فلو كان الكلام على ما رآه جائزا في تأويله هذا، لوجب أن يكون اخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام كان أعظم عند الله من الكفر به، وذلك أنه يقول في أثره:
وإخراج أهله منه أكبر عند الله وفي قيام الحجة بأن لا شئ أعظم عند الله من الكفر به، ما يبين عن خطأ هذا القول. وأما إذا رفع الصد بمعنى ما زعم أنه الوجه الآخر، وذلك رفعه بمعنى: وكبير صد عن سبيل الله، ثم قيل: وإخراج أهله منه أكبر عند الله، صار المعنى:
إلى أن اخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام أعظم عند الله من الكفر بالله، والصد عن سبيله، وعن المسجد الحرام، ومتأول ذلك كذلك داخل من الخطأ مثل الذي دخل فيه القائل القول الأول من تصييره بعض خلال الكفر أعظم عند الله من الكفر بعينه، وذلك مما لا يخيل على أحد خطؤه وفساده.
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: القول الأول في رفع الصد، ويزعم أنه معطوف به على الكبير، ويجعل قوله: وإخراج أهله مرفوعا على الابتداء، وقد بينا فساد ذلك وخطأ تأويله.