وأولى هذين القولين بتأويل الآية القول الذي قاله قتادة والربيع بن أنس أن يكون عنى بقوله: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب اليهود والنصارى، لان الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم والخبر عنهم وعما أعد لهم من أليم العذاب، وهذا في سياق ما قبلها، إذ كان الامر كذلك، ليس البر أيها اليهود والنصارى أن يولي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب الآية.
فإن قال قائل: فكيف قيل: ولكن البر من آمن بالله وقد علمت أن البر فعل، ومن اسم، فكيف يكون الفعل هو الانسان؟ قيل: إن معنى ذلك غير ما توهمته، وإنما معناه: ولكن البر كمن آمن بالله واليوم الآخر، فوضع من موضع الفعل اكتفاء بدلالته ودلالة صلته التي هي له صفة من الفعل المحذوف كما تفعله العرب فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة، فتقول: الجود حاتم والشجاعة عنترة وإنما الجود حاتم، والشجاعة عنترة، ومعناها: الجود جود حاتم، فتستغني بذكر حاتم إذ كان معروفا بالجود من إعادة ذكر الجود بعد الذي قد ذكرته فتضعه موضع جوده لدلالة الكلام على ما حذفته استغناء بما ذكرته عما لم تذكره، كما قيل: واسأل القرية التي كنا فيها والمعنى: أهل القرية، وكما قال الشاعر، وهو ذو الخرق الطهوي:
حسبت بغام راحلتي عناقا * وما هي ويب غيرك بالعناق يريد بغام عناق أو صوت كما يقال: حسبت صياحي أخاك، يعني به حسبت صياحي صياح أخيك وقد يجوز أن يكون معنى الكلام: ولكن البار من آمن بالله، فيكون البر مصدرا وضع موضع الاسم.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب) *.
يعني تعالى ذكره بقوله: وآتى المال على حبه وأعطى ماله في حين محبته إياه وظنه به وشحه عليه. كما:
2084 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا،