تنفي هاتان الآيتان ما نسبه المشركون والمخالفون من تهم باطلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كانوا يقولون أحيانا: إنه (شاعر) وإن هذه الآيات من شعره، كما كانوا يقولون أحيانا: إنه (كاهن) وإن الذي يقوله هو (كهانة) لأن الكهنة أشخاص كانوا يتنبأون بأسرار الغيب أحيانا، وذلك لارتباطهم بالجن والشياطين، وكانوا يطلقون عن قصد كلاما مسجعا وجملا موزونة.
ولأن القرآن الكريم أيضا كان يتنبأ ويتحدث عن أمور غيبية، وإن ألفاظه وعباراته لها نظام خاص، لذا اتهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه التهم، في حين أن الفرق بين الاثنين كالفرق بين الأرض والسماء.
لقد نقل البعض في سبب نزول هذه الآية أن (أبا جهل) نسب قول الشعر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن (عقبة) أو (عتبة) هو الذي نسب الكهانة إلى رسولنا الكريم وكذلك الآخرون أيضا كانوا يرددون هذه التهم.
وفي الحقيقة فإن للقرآن الكريم ألفاظا منسجمة، وتعابير ذات نظم جميل تسحر الآذان وتبعث الاطمئنان في الأرواح. إلا أن هذا ليس له أي ارتباط مع شعر الشعراء، ولا مع سجع الكاهنين.
الشعر في الغالب وليد الخيال، ومعبر عن الأحاسيس الجياشة في النفوس، والعواطف الملتهبة، ولهذا فإنه يجسد حالة عدم الاستقرار وعدم التوازن صعودا ونزولا، شدة وانخفاضا، في الوقت الذي نلاحظ أن القرآن الكريم، وهو يمثل قمة الروعة والجاذبية، فإنه كتاب استدلالي ومنطقي في عرضه للمفاهيم، وعقلاني في محتواه، وما فيه من التنبؤ المستقبلي لا يشكل قاعدة أساسية للقرآن الكريم، بالإضافة إلى أنها صادقة جميعا بخلاف ما عليه تنبؤ الكهنة.
التعبير ب قليلا ما تؤمنون وقليلا ما تذكرون هو توبيخ ولوم للأشخاص الذين يسمعون الوحي السماوي مقرونا بدلائل واضحة، إلا أنهم يعتبرونه (شعرا) أحيانا، و (كهانة) أحيانا أخرى. وقليلا ما يؤمنون.