إن طغيان الماء كان بصورة غطى فيها السحاب ومن هنا جاء تعبير (طغى) حيث هطل مطر غزير جدا وكأنه السيل ينحدر من السماء، وفاضت عيون الأرض، والتقت مياههما بحيث أصبح كل شئ تحت الماء (القوم وبيوتهم وقصور أكابرهم ومزارعهم وبساتينهم...) ولم تنج إلا مجموعة المؤمنين التي كانت مع نوح (عليه السلام) في سفينته.
جملة (حملناكم) كناية عن حمل وإنقاذ أسلافنا وأجدادنا من الغرق، وإلا ما كنا في عالم هذا الوجود (1).
ثم يبين الله سبحانه الغاية والهدف من هذا العقاب، حيث يقول تعالى:
لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية.
إننا لم نرد الانتقام منكم أبدا، بل الهداية والخير والسعادة، كنا نروم أن تكونوا في طريق الكمال والنضج التربوي والوصول إلى ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المكرم.
" تعيها " من مادة (وعى) على وزن (سعى) يقول (الراغب) في المفردات، و (ابن منظور) في لسان العرب: إنها في الأصل بمعنى الاحتفاظ بشئ معين في القلب، ومن هنا قيل للإناء (وعاء) لأنه يحفظ الشئ الذي يوضع فيه، وقد ذكرت هذه الصفة (الوعي) للآذان في الآيات مورد البحث، وذلك بلحاظ أنها تسمع الحقائق وتحتفظ بها.
والإنسان تارة يسمع كلاما إلا أنه كأن لم يسمعه، وفي التعبير السائد: يسمع بإذن ويخرجه من الأخرى.
وتارة أخرى يسمع الكلام ويفكر فيه ويتأمله. ويجعل ما فيه خير في قلبه،