الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٨ - الصفحة ٥٣٦
وهذا التعبير كاشف ومعبر عن سوء النهاية المذلة لهؤلاء، إذ جاء التعبير أولا بالخرطوم الذي يستعمل للفيل وللخنزير فقط، وهو دلالة واضحة في تحقيرهم.
وثانيا: أن الأنف في لغة العرب غالبا ما يستعمل كناية عن العزة والعظمة، كما يقال للفارس حين إذلاله: مرغوا أنفه بالتراب، كناية عن زوال عزته.
وثالثا: أن وضع العلامة تكون عادة للحيوانات فقط، بل حتى بالنسبة إلى الحيوانات فإنها لا تعلم في وجوهها - خصوصا أنوفها - أضف إلى ذلك أن الإسلام قد نهى عن مثل هذا العمل.
ومع كل ما تقدم تأتي الآية الكريمة ببيان معبر واف وواضح أن الله تعالى سيذل هؤلاء الطغاة الذين امتلؤا عجبا بذواتهم، المتمادين في عنادهم وإصرارهم على الباطل، وتجاوزهم على الرسول والرسالة.. سيذلهم بتلك الصورة التي تحدثت عنها الآية ويفضحهم على رؤوس الأشهاد ليكونوا موضع عبرة للجميع.
إن التاريخ الإسلامي ينقل لنا كثيرا من صور الإذلال والامتهان لأمثال هذه المجموعة المخالفة للحق المعاندة في ضلالها، المكابرة في تمسكها بالباطل، بالرغم من تقدم الرسالة الإسلامية وقوتها وانتصاراتها، كما أن فضيحتهم في الآخرة ستكون أدهى وأمر.
قال بعض المفسرين: إن أكثر آيات هذه السورة كان يقصد بها (الوليد بن المغيرة) أحد رموز الشرك الذي واجه الإسلام وتعرض لرسوله الأمين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أن من المسلم به أن هذا القصد، لا يمنع من تصميم وتوسعة مفهوم الآيات الكريمة وشموليته (1).

1 - قال البعض: إن وضع العلامة على الأنف قد تحقق عمليا في غزوة بدر، حيث وجهت ضربات إلى أنوف بعض سادات الكفر وكبرائهم، وقد بقيت آثارها على أنوفهم، وإذا كان المقصود في ذلك (الوليد بن المغيرة) فقد توفي بذل قبل غزوة بدر.
وجاء في الخطبة المعروفة للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في مسجد الشام قوله: " أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلا الله " يقصد الإمام علي (عليه السلام) بحار الأنوار، ج 45، ص 138.
إن لهذا التعبير وبلحاظ ما جاء في الآية مورد البحث، حيث يقول تعالى: (سنسمه على الخرطوم) دلالة في غاية اللطف والروعة، حيث يرينا أن الإرادة الإلهية قد تحققت على يد عبده المخلص علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»
الفهرست