المبحث الثالث في كونه تعالى علة مبقية قد تقرر في قواعدنا الحكمية: أن الممكنات كما تفتقر إلى العلة المحدثة، مفتقرة إلى العلة المبقية حال بقائها، فإذا كان معنى الرب هو تبليغ الشئ إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا وحالا فحالا، وكان هو تعالى رب العالمين، يثبت أنه تعالى هو العلة المبقية، وإذا كان هو السبب المبقي فلا خلاف في أنه السبب الموجد، فيعلم من ذلك وحدة السببين الموجد والمبقي، كما تحرر: أن ما يستند إليه الممكن في أصل وجوده حدوثا يستند إلى شخصه بقاء، وأن السبب الموجد عين السبب المبقي (1).
وقيل: ليس فيه دليل على ذلك، إذ الشئ التدريجي لما كان حصوله على هذا الوجه، فجميع زمان وجوده هو بعينه زمان حدوثه، فالنامي - مثلا - زمان نموه من أول نشوه إلى منتهى كماله المقداري، هو زمان حدوث مقداره الحاصل له شيئا فشيئا، وذلك مثل فعل الصلاة، فإن زمانه من لدن أول تكبيرة الافتتاح إلى آخر تسليمة الاختتام، كله وقت الحدوث، لا وقت البقاء (2). انتهى.