تصوير وقوع الحركة من المحرك على وجه لا يوصف المحرك بالحركة، لا ذاتا، ولا صفة، ولا إرادة، وهكذا، وعند ذلك كيف يكون هو رب العالمين، لما أن حقيقة الربوبية متوقفة على إخراج الشئ إلى ما يليق به حالا فحالا، كما عرفت في مباحث اللغة والصرف.
أقول: لا شبهة في أن العاشق يتحرك - بحسب الوجدان - في العشق المجازي نحو المعشوق، وهو نائم في بلده وغافل عن عشاقه ومجانينه، فهل هذه الحركة الموجودة في العاشق بالعشق المتعلق بالصورة المعشوقة بالذات، وبالمعشوق الخارجي بالعرض، لا تكون تستند مجازا إلى المعشوق، فيقال: إنه يحركه ومحركه وإن الحركة مستندة إليه، لكونها تنتهي بالوصول إليه، فهي الغاية لها والغاية لأمدها، فلو كان - حسب المكاشفة والبرهان - جميع الأشياء عاشقا لجماله وكماله بالعشق الذاتي والشوق الطبيعي، ومتحركا نحو ذلك الوجود الكامل على الإطلاق بالمحبة والعلقة الإدراكية وغير الإدراكية، فيكون متحركا ومتوجها إلى الكمال وخارجا من القوة والنقص إلى الفعلية المحضة والكمال الإلهي، فيحصل فيه من تلك الحركة ما هو المطلوب الأعلى والمحبوب الأحلى، وكانت تلك الركيزة وهذه الخاصة الطبيعية والإدراكية، من عنايته تعالى وحكمته الكامنة في الطبائع والأشياء، فهل عند ذلك لا يوصف هو تعالى بربوبية العالمين؟! كلا وحاشا، والحمد لله تعالى.
وإن شئت قلت: إن خروج الشئ من القوة إلى الفعل: تارة يكون بمخرج طبيعي وفاعل مزاول للمادة، كإخراج شئ من قوة الحركة الأينية