المعنى: ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، أن يضرب المثل للدنيا، تزهيدا فيها، وترغيبا في الآخرة، فقال: (واضرب) يا محمد (لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) أي: نبت بذلك الماء نبات التف بعضه ببعض، يروق حسنا وغضاضة. وهذا مفسر في سورة يونس عليه السلام (فأصبح هشيما) أي:
كسيرا مفتتا (تذروه الرياح) فتنقله من موضع إلى موضع، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات (وكان الله على كل شئ مقتدرا) أي: قادرا لا يجوز عليه المنع. قال الحسن: أي كان الله مقتدرا على كل شئ قبل كونه. قال الزجاج: وتأويله إن ما شاهدتم من قدرته، ليس بحادث، وانه كذلك كان لم يزل، هذا مذهب سيبويه.
وقيل: إنه إخبار عن الماضي، ودلالة على المستقبل. وهذا المثل إنما هو للمتكبرين الذين اعتوروا بأموالهم، واستنكفوا عن مجالسة فقراء المؤمنين، أخبرهم الله سبحانه أن ما كان من الدنيا لايراد الله سبانه به، فهو كالنبت الحسن على المطر، لا مادة له، فهو يروق ما خالطه ذلك الماء، فإذا انقطع عنه، عاد هشيما لا ينتفع به.
ثم قال: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) أي: يتفاخر بهما، ويتزين بهما في الدنيا، ولا ينتفع بهما في الآخرة، وإنما سماهم زينة لان في المال جمالا، وفي البنين قوة ودفعا، فصارا زينة الحياة الدنيا، وكلاهما لا يبقى للانسان، فينتفع به في الآخرة (والباقيات الصالحات) وهي الطاعات لله تعالى، وجميع الحسنات، لان ثوابها يبقى أبدا، عن ابن عباس، وقتادة. (خير عند ربك ثوابا وخير أملا) أي:
أفضل ثوابا، وأصدق أملا من المال، والبنين، وسائر زهرات الدنيا، فان من الآمال كواذب، وهذا أمل لا يكذب، لان من عمل الطاعة، وجد ما يأمله عليها من الثواب. وقيل: إن الباقيات الصالحات هي ما كان يأتي به سلمان، وصهيب، وفقراء المسلمين، وهو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عن ابن عباس، في رواية عطا، ومجاهد، وعكرمة.
وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال لجلسائه: خذوا جنتكم.
قالوا: احذر عدو. قال: خذوا جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهم المقدمات، وهن المنجيات، وهن المعقبات، وهن الباقيات الصالحات. ورواه أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم قال: ولذكر الله عندما أحل أو حرم. وروى