الذكر) * أي: القرآن في زعمه، ودعواه * (إنك لمجنون) * في دعواك أنه نزل عليك، وفي توهمك أنا نتبعك، ونؤمن بك * (لو ما تأتينا بالملائكة) * يشهدون لك على صدق قولك * (إن كنت من الصادقين) * فيما تدعيه، عن ابن عباس، والحسن. ثم أجابهم سبحانه بالجواب المقنع، فقال: * (ما ننزل الملائكة إلا بالحق) * أي: لا ننزل الملائكة الا بالحق الذي هو الموت، لا يقع فيه تقديم وتأخير، فيقبض أرواحهم، عن ابن عباس. وقيل: لا ينزلون إلا بعذاب الاستئصال إن لم يؤمنوا، عن الحسن، ومجاهد، والجبائي. وقيل: ما ينزلون في الدنيا إلا بالرسالة، عن مجاهد * (وما كانوا إذا) * أي: حين ننزل الملائكة * (منظرين) * مؤخرين ممهلين أي: لا يمهلون ساعة. ثم زاد سبحانه في البيان، فقال: * (إنا نحن نزلنا الذكر) * أي: القرآن.
* (وإنا له لحافظون) * عن الزيادة والنقصان، والتحريف والتغيير، عن قتادة، وابن عباس، ومثله * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) *. وقيل: معناه متكفل بحفظه إلى آخر الدهر على ما هو عليه، فتنقله الأمة وتحفظه، عصرا بعد عصر، إلى يوم القيامة، لقيام الحجة به على الجماعة من كل من لزمته دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عن الحسن. وقيل: يحفظه من كيد المشركين، ولا يمكنهم ابطاله، ولا يندرس، ولا ينسى، عن الجبائي. وقال الفراء: يجوز أن يكون الهاء في له، كناية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكأنه قال: إنا نزلنا القرآن، وإنا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لحافظون.
وفي هذه الآية دلالة على أن القرآن محدث، إذ المنزل والمحفوظ لا يكون إلا محدثا * (ولقد أرسلنا من قبلك) * يا محمد رسلا، عن ابن عباس، فحذف المفعول لدلالة الإرسال عليه * (في شيع الأولين) * أي: في فرق الأولين، عن الحسن، والكلبي. وقيل: في الأمم الأولين، عن عطا عن ابن عباس. * (وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن) * وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ أخبره أن كل رسول كان مبتلى بقومه، واستهزاؤهم بالرسل، إنما حملهم على ذلك استبعادهم ما دعوهم إليه، واستيحاشهم منه، واستنكارهم له، حتى توهموا انه مما لا يكون، ولا يصح.
مع مخالفته لما وجدوا عليه أسلافهم. * (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين) * فيه قولان أحدهما: ان معناه إن نسلك الذكر الذي هو القرآن في قلوب الكفار باخطاره عليها، وإلقائه فيها، وبأن نفهمهم إياه، وإنهم مع ذلك * (لا يؤمنون به) * ماضين على سنة من تقدمهم في تكذيب الرسل، كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب من سلف