فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالبكاء الذي نهى عنه في الأحاديث الأول وأنه البكاء الذي معه الصوت الشديد ولطم الوجوه وشق الجيوب وبين أن ما سوى ذلك من البكاء فما فعل من جهة الرحمة أنه بخلاف ذلك البكاء الذي نهى عنه وأما ما ذكرناه عن عمرو عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقد ذكرنا عن عائشة رضي الله عنها إنكار ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل ليزيد الكافر عذابا في قبره ببعض بكاء أهله عليه وقد يجوز أن يكون ذلك البكاء الذي يعذب به الكافر في قبره يزداد به عذابا على عذابه بكاء قد كان أوصى به في حياته فإن أهل الجاهلية قد كانوا يوصون بذلك أهليهم أن يفعلوه بعد وفاتهم فيكون الله عز وجل يعذبه في قبره بسبب قد كان سببه في حياته فعل بعد موته وقد روى هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها بغير هذا اللفظ حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن بن عمر رضي الله عنه يقول إن الميت ليعذب ببكاء الحي والله ما ذاك إلا إيهاما من عبد الله بن عمر رضي الله عنه يغفر الله له إن الله عز وجل يقول ولا تزر وازرة وزر أخرى وما ذاك إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبر يهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم تبكون عليه وإنه ليعذب في قبره يقول بعمله فأخبرت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخبر أن ذلك الكافر يعذب في قبره بعمله وأهله يبكون عليه وقد منع الله عز وجل أن تزر وازرة وزر أخرى فدل ذلك على أن ميتا لا يعذب في قبره ببكاء حي لم يأمر به في حياته ومات لحديث جابر عن عبد الرحمن بن عوف البكاء المكروه ما هو وأنه هو الذي معه اللطم والشق فقد ثبت بما ذكرنا إباحة البكاء على الميت إذا لم يكن معه سبب مكروه من شق ثوب ولطم وجه ونياحة وما أشبه ذلك وقد حدثنا فهد قال ثنا عبد الحميد الحماني قال ثنا شريك عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وعلى أبي مسعود الأنصاري وثابت بن قيس وعندهم جوار يغنين فقلت أتفعلون هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إن كنت تسمع وإلا فأمض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في اللهو عند العرس وفي البكاء على الميت
(٢٩٤)