وأما وجهه من طريق النظر فإنا قد رأينا هذه الأشياء التي قد اختلف في أكلها أنه ينقص الوضوء أم لا إذا مستها النار وقد أجمع أن أكلها قبل مماسة النار إياها لا ينقض الوضوء فأردنا أن ننظر هل للنار حكم يجب في الأشياء إذا مستها فينتقل به حكمها إليها فرأينا الماء القراح طاهرا تؤدى به الفروض ثم رأيناه إذا سخن فصار مما قد مسته النار أن حكمه في طهارته على ما كان عليه قبل مماسته النار إياه وأن النار لم تحدث فيه حكما ينتقل به حكمه إلى غير ما كان عليه في البدء فلما كان ما وصفنا كذلك كان في النظر أن الطعام الطاهر الذي لا يكون أكله قبل أن تمسه النار حدثا إذا مسته النار لا تنقله عن حاله ولا تغير حكمه ويكون حكمه بعد مسيس النار إياه كحكمه قبل ذلك قياسا ونظرا على ما بينا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله تعالى وقد فرق قوم بين لحوم الغنم ولحوم الإبل فأوجبوا في أكل لحوم الإبل الوضوء ولم يوجبوا ذلك في أكل لحوم الغنم واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا سفيان قال ثنا سماك عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قيل أفنتوضأ من لحوم الغنم قال لا حدثنا علي بن معبد قال ثنا معاوية بن عمرو قال ثنا زائدة عن سماك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه حدثنا محمد بن خزيمة ثنا الحجاج ثنا حماد عن سماك بن حرب عن جعفر عن جده جابر بن سمرة أن رجلا قال يا رسول الله أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل قال قال يا رسول الله أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب الوضوء للصلاة بأكل شئ من ذلك وكان من الحجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون الوضوء الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم هو غسل اليد وفرق قوم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك لما في لحوم الإبل من الغلظ ومن غلبة ودكها على يد آكلها فلم يرخص في تركه على اليد وأباح أن لا يتوضأ من لحوم الغنم لعدم ذلك منها وقد روينا في الباب الأول في حديث جابر أن آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار
(٧٠)