قال: إن أخاكم النجاشي توفى فقوموا صلوا عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا خلفه فكبر أربعا وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه)).
الثاني: أنه من باب الضرورة لأنه مات بأرض لم يقم فيها عليه فريضة الصلاة، فتعين فرض الصلاة عليه لعدم من يصلي عليه. ثم يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على غائب غيره، وقد مات من الصحابة خلق كثير وهم غائبون عنه وسمع بهم فلم يصل عليهم إلا غائبا واحدا انتهى.
وقال الزرقاني: ودلائل الخصوصية واضحة لا يجوز أن يشركه فيها غيره لأنه والله أعلم أحضر روحه بين يديه أو رفعت له جنازته حتى شاهدها كما رفع له بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته انتهى.
قلت دعوى الخصوصية ليس عليها دليل ولا برهان، بل قوله صلى الله عليه وسلم ((فهلموا فصلوا عليه)) وقوله ((فقوموا فصلوا عليه)) وقول جابر ((فصففنا خلفه فصلى عليه ونحن صفوف)) وقول أبي هريرة ((ثم قال استغفروا له ثم خرج بأصحابه فصلى بهم كما يصلى على الجنازة)) وقول عمران ((فقمنا فصففنا عليه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلي على الميت)) وتقدم هذه الروايات يبطل دعوى الخصوصية لأن صلاة الغائب إن كانت خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا معنى لأمره صلى الله عليه وسلم أصحابه بتلك الصلاة، بل نهى عنها لأن ما كان خاصا به لا يجوز فعله لأمته، ألا ترى صوم الوصال لم يرخص لهم به مع شدة حرصهم لأدائه. والأصل في كل أمر من الأمور الشرعية عدم الخصوصية حتى يقوم الدليل عليها، وليس هنا دليل على الخصوصية بل قام الدليل على عدمها.
وأما قولهم رفع له سريره أو أحضر روحه بين يديه، فجوابه أن الله تبارك وتعالى لقادر عليه وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لأهل لذلك لكن لم يثبت ذلك في حديث النجاشي بسند صحيح أو حسن، وإنما ذكره الواحدي عن ابن عباس بلا سند فلا يحتج به، ولذا قال ابن العربي: ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف. وأما ما رواه أبو عوانة وابن حبان من حديث عمران بن حصين فلا يدل على ذلك، فإن لفظه ((وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه)) وفي لفظ ((ونحن لا نرى إلا الجنازة قدامنا)) ومعنى هذا القول أنا صلينا عليه خلف النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلى على الميت والحال أنا لم نر الميت لكن صففنا عليه كما يصف على الميت كأن الميت قدامنا ونظن أن جنازته بين يديه صلى الله عليه وسلم لصلاته كعلى الحاضر المشاهد، فحينئذ يؤول معنى لفظ هذا الحديث إلى معنى