(وهذا حديثه) أي حديث مسدد (من حلف فاستثنى) قال الخطابي معناه أن يستثني بلسانه نطقا دون أن يستثني بقلبه لأن في هذا الحديث من غير رواية أبي داود ((من حلف فقال إن شاء الله)) فعلق بالقول، وقد دخل في هذا كل يمين كانت بطلاق أو عتاق أو غيرهما لأنه صلى الله عليه وسلم عم ولم يخص. ولم يختلف الناس في أنه حلف بالله ليفعلن كذا أو لأفعلن كذا واستثنى أن الحنث عنه ساقط، فأما إذا حلف بطلاق أو عتاق واستثنى فإن مالك بن أنس والأوزاعي ذهبا إلى أن الاستثناء لا يغني عنه شيئا فالطلاق والعتاق واقعان، وعلة أصحاب مالك في هذا أن كل يمين تدخلها الكفارة فإن الاستثناء يعمل فيها، وما لا تدخله الكفارة فالاستثناء فيه باطل.
قال مالك: إذا حلف بالمشي إلى بيت الله الحرام واستثنى فإن استثناءه ساقط والحنث فيه لازم انتهى قال الحافظ: قال ابن المنذر: واختلفوا في وقت الاستثناء فالأكثر على أنه يشترط أن يتصل بالحلف. قال مالك: إذا سكت أو قطع كلامه فلا ثنيا. وقال الشافعي: يشترط وصل الاستثناء بالكلام الأول ووصله أن يكون نسقا، فإن كان بينهما سكوت انقطع إلا إن كانت سكتة تذكر أو تنفس أوعي أو انقطاع صوت، وكذا يقطعه الأخذ في كلام آخر ولخصه ابن الحاجب فقال شرطه الاتصال لفظا أوفي ما في حكمه كقطعه لتنفس أو سعال ونحوه مما لا يمنع الاتصال عرفا. ومن الأدلة على اشتراط اتصال الاستثناء بالكلام قوله تعالى لأيوب (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال استثن لأنه أسهل من التحيل لحل اليمين بالضرب وللزم منه بطلان الإقرارات والطلاق والعتق فيستثنى من أقر أو طلق أو عتق بعد زمان ويرتفع حكم ذلك انتهى. هذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذري. قال المزي في الأطراف: أخرج أبو داود في الأيمان والنذور عن أحمد بن حنبل عن سفيان، وعن محمد بن عيسى ومسدد كلاهما عن عبد الوارث، وحديث محمد بن عيسى ومسدد في رواية ابن العبد وابن داسة ولم يذكره أبو القاسم.