علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة ((كل قوم على بينة من أمرهم ومصلحة من أنفسهم يزرون على من سواهم ويعرف الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب)) وقد رواه الخطيب وغيره مرفوعا ورفعه غير صحيح.
وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس.
ولما كان علي رضي الله عنه باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام فقال كل منهم هو ابني، فأقرع علي بينهم، فجعل الولد للقارع وجعل عليه للرجلين ثلثي الدية، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي رضي الله عنه.
واجتهد سعد بن معاذ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده فصوبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال ((لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)).
واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر فصوبهما وقال للذي لم يعد ((أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر لك الأجر مرتين)).
ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد وأسامة ابنه بعضها من بعض سر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق، وكان زيد أبيض وابنه أسامة أسود، فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد والبياض الذي لا تأثير له في الحكم.
وقد تقدم قول الصديق رضي الله عنه في الكلالة أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد والولد فلما استخلف عمر قال: إني لأستحيي من الله أن أزداد شيئا قاله أبو بكر.
وقال الشعبي عن شريح قال: قال لي عمر: اقض بما استبان لك من كتاب الله، فإن لم تعلم كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم تعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة