تائبا اتفاقا قال وقال بعض المحققين هي اختيار ترك ذنب سبق حقيقة أو تقديرا لأجل الله قال وهذا أسد العبارات وأجمعها لان التائب لا يكون تاركا للذنب الذي فرغ لأنه غير متمكن من عينه لا تركا ولا فعلا وانما هو متمكن من مثله حقيقة وكذا من لم يقع منه ذنب انما يصح منه اتقاء ما يمكن أن يقع لاترك مثل ما وقع فيكون متقيا لا تائبا قال والباعث على هذا تنبيه الهي لمن أراد سعادته لقبح الذنب وضرره لأنه سم مهلك يفوت على الانسان سعادة الدنيا والآخرة ويحجبه عن معرفة الله تعالى في الدنيا وعن تقريبه في الآخرة قال ومن تفقد نفسه وجدها مشحونة بهذا السم فإذا وفق انبعث منه خوف هجوم الهلاك عليه فيبادر بطلب ما يدفع به عن نفسه ضرر ذلك فحينئذ ينبعث منه الندم على ما سبق والعزم على ترك العود عليه قال ثم اعلم أن التوبة اما من الكفر واما من الذنب فتوبة الكافر مقبولة قطعا وتوبة العاصي مقبولة بالوعد الصادق ومعنى القبول الخلاص من ضرر الذنوب حتى يرجع كمن لم يعمل ثم توبة العاصي اما من حق الله واما من حق غيره فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك على ما تقدم غير أن منه ما لم يكتف الشرع فيه بالترك فقط بل أضاف إليه القضاء أو الكفارة و حق غير الله يحتاج إلى ايصالها لمستحقها والا لم يحصل الخلاص من ضرر ذلك الذنب لك من لم يقدر على الايصال بعد بذله الوسع في ذلك فعفو الله مأمول فإنه يضمن التبعات ويبدل السيئات حسنات والله أعلم (قلت) حكى غيره عن عبد الله بن المبارك في شروط التوبة زيادة فقال الندم والعزم على عدم العود ورد المظلمة وأداء ما ضيع من الفرائض وأن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية (قلت) وبعض هذه الأشياء مكملات وقد تمسك من فسر التوبة بالندم بما أخرجه أحمد وابن ماجة وغيرهما من حديث ابن مسعود رفعه الندم توبة ولا حجة فيه لان المعنى الحض عليه وأنه الركن الأعظم في التوبة لا انه التوبة نفسها وما يؤيد اشتراط كونها لله تعالى وجود الندم على الفعل ولا يستلزم الاقلاع عن أصل تلك المعصية كمن قتل ولده مثلا وندم لكونه ولده وكمن بذل مالا في معصية ثم ندم على نقص ذلك المال مما عنده واحتج من شرط في صحة التوبة من حقوق العباد أن يرد تلك المظلمة بأن من غصب أمة فزنى بها لا تصح توبته الا بردها لمالكها وان من قتل نفسا عمدا لا تصح توبته الا بتمكين نفسه من ولى الدم ليقتص أو يعفو (قلت) وهذا من جهة التوبة من الغصب ومن حق المقتول واضح ولكن يمكن ان تصح التوبة من العود إلى الزنا وان استمرت الأمة في يده ومن العود إلى القتل وان لم يمكن من نفسه وزاد بعض من أدركناه في شروط التوبة أمورا أخرى منها أن يفارق موضع المعصية وان لا يصل في آخر عمره إلى الغرغرة وان لا تطلع الشمس من مغربها وان لا يعود إلى ذلك الذنب فان عاد إليه بان أن توبته باطلة (قلت) والأول مستحب والثاني والثالث داخلان في حد التكليف والرابع الأخير عزى للقاضي أبو بكر الباقلاني ويرده الحديث الآتي بعد عشرين بابا وقد أشرت إليه في باب فضل الاستغفار وقد قال الحليمي في تفسير التواب في الأسماء الحسنى انه العائد على عبده بفضل رحمته كلما رجع لطاعته وندم على معصيته فلا يحبط عنه ما قدمه من خير ولا يحرمه ما وعد به الطائع من الاحسان وقال الخطابي التواب الذي يعود إلى القبول كلما عاد العبد إلى الذنب وتاب (قوله وقال قتادة توبة
(٨٧)