الحارث قال دخلت علي ابن مسعود أعوده وهو مريض فحدثنا بحديثين حديثا عن نفسه وحديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله أشد فرحا الحديث (قوله إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه) قال ابن أبي جمرة السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الامر عليه والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة وحاصله أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الايمان فلا يأمن العقوبة بسببها وهذا شأن المؤمن أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخشى من صغير عمله السئ (قوله وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب) في رواية أبي الربيع الزهراني عن أبي شهاب عند الإسماعيلي يرى ذنوبه كأنها ذباب مر على أنفه أي ذنبه سهل عنده لا يعتقد أنه يحصل له بسببه كبير ضرر كما أن ضرر الذباب عنده سهل وكذا دفعه عنه والذباب بضم المعجمة وموحدتين الأولى خفيفة بينهما ألف جمع ذبابة وهي الطير المعروف (قوله فقال به هكذا) أي نحاه بيده أو دفعه هو من إطلاق القول على الفعل قالوا وهو أبلغ (قوله قال أبو شهاب) هو موصول بالسند المذكور (قوله بيده 2 على أنفه) هو تفسير منه لقوله فقال به قال المحب الطبري انما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته لأنه على يقين من الذنب وليس على يقين من المغفرة والفاجر قليل المعرفة بالله فلذلك قل خوفه واستهان بالمعصية وقال ابن أبي جمرة السبب في ذلك أن قلب الفاجر مظلم فوقوع الذنب خفيف عنده ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول هذا سهل قال ويستفاد من الحديث أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفتها عليه يدل على فجوره قال والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب أخف الطير وأحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء قال وفي ذكر الانف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لان الذباب قلما ينزل على الانف وانما يقصد غالبا العين قال وفي إشارته بيده تأكيد للخفة أيضا لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره قال وفي الحديث ضرب المثل بما يمكن وارشاد إلى الحض على محاسبة النفس واعتبار العلامات الدالة على بقاء نعمة الايمان وفيه أن الفجور أمر قلبي كالايمان وفيه دليل لأهل السنة لانهم لا يكفرون بالذنوب ورد على الخوارج وغيرهم ممن يكفر بالذنوب وقال ابن بطال يؤخذ منه أنه ينبغي أن يكون المؤمن عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا لان الله تعالى قد يعذب على القليل فإنه لا يسئل عما يفعل سبحانه وتعالى (قوله ثم قال لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا) في رواية أبي الربيع المذكورة بتوبة عبده المؤمن وعند مسلم من رواية جرير ومن رواية أبي أسامة لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن وكذا عنده من حديث أبي هريرة واطلاق الفرح في حق الله مجاز عن رضاه قال الخطابي معنى الحديث أن الله أرضى بالتوبة وأقبل لها والفرح الذي يتعارفه الناس بينهم غير جائز على الله وهو كقوله تعالى كل حزب بما لديهم فرحون أي راضون وقال ابن فورك الفرح في اللغة السرور ويطلق على البطر ومنه ان الله لا يحب الفرحين وعلى الرضا فان كل من يسر بشئ ويرضى به يقال في حقه فرح به قال ابن العربي كل صفة تقتضي التغير لا يجوز أن يوصف الله بحقيقتها فان ورد شئ من ذلك حمل على
(٨٩)