عن أبي صالح الخوزي سمعت أبا هريرة قال الطيبي معنى الحديث أن من لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه والله يحب أن يسئل انتهى ويؤيده حديث ابن مسعود رفعه سلوا الله من فضله فإن الله يحب ان يسئل أخرجه الترمذي وله من حديث ابن عمر رفعه ان الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء وفي سنده لين وقد صححه مع ذلك الحاكم وأخرج الطبراني في الدعاء بسند رجاله ثقات الا أن فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعا ان الله يحب الملحين في الدعاء وقال الشيخ تقي الدين السبكي الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط ان الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء وعلى هذا فالوعيد انما هو في حق من ترك الدعاء استكبارا ومن فعل ذلك كفر وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور وان كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدلة الواردة في الحث عليه (قلت) وقد دلت الآية الآتية قريبا في السورة المذكورة أن الإجابة مشترطة بالاخلاص وهو قوله تعالى فادعوه مخلصين له الدين وقال الطيبي معنى حديث النعمان ان تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات الا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الآية بقوله تعالى ان الذين يستكبرون عن عبادتي حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان وحكى القشيري في الرسالة الخلاف في المسئلة فقال اختلف أي الامرين أولى الدعاء أو السكوت والرضا فقيل الدعاء وهو الذي ينبغي ترجيحه لكثرة الأدلة لما فيه من إظهار الخضوع والافتقار وقيل السكوت والرضا أولى لما في التسليم من الفضل (قلت) وشبهتهم ان الداعي لا يعرف ما قدر له فدعاؤه إن كان على وفق المقدور فهو تحصيل الحاصل وإن كان على خلافه فهو معاندة والجواب عن الأول ان الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار وعن الثاني أنه إذا اعتقد أنه لا يقع الا ما قدر الله تعالى كان اذعانا لا معاندة وفائدة الدعاء تحصيل الثواب بامتثال الامر ولاحتمال أن يكون المدعو به موقوفا على الدعاء لان الله خالق الأسباب ومسبباتها قال وقالت طائفة ينبغي أن يكون داعيا بلسانه راضيا بقلبه قال والأولى أن يقال إذا وجد في قلبه إشارة الدعاء فالدعاء أفضل وبالعكس (قلت) القول الأول أعلى المقامات أن يدعو بلسانه ويرضى بقلبه والثاني لا يتأتى من كل أحد بل ينبغي أن يختص به الكمل قال القشيري ويصح أن يقال ما كان لله أو للمسلمين فيه نصيب فالدعاء أفضل وما كان للنفس فيه حظ فالسكوت أفضل وعبر ابن بطال عن هذا القول لما حكاه بقوله يستحب أن يدعو لغيره ويترك لنفسه وعمدة من أول الدعاء في الآية بالعبادة أو غيرها قوله تعالى فيكشف ما تدعون إليه ان شاء وان كثيرا من الناس يدعو فلا يستجاب له فلو كانت على ظاهرها لم يتخلف والجواب عن ذلك أن كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه وقد ورد في ذلك حديث صحيح أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رفعه ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة الا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ولأحمد من حديث أبي هريرة اما أن يعجلها له واما أن يدخرها له وله في حديث أبي سعيد رفعه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها
(٨٠)