الرياء أن يعمل لغير الله والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس (قوله يحيى) هو ابن سعيد القطان وسفيان في الطريقين هو الثوري والسند الثاني أعلى من الأول ولم يكتف به مع علوه لان في الرواية الأولى مزايا وهي جلالة القطان وما وقع في سياقه من تصريح سفيان بالتحديث ونسبة سلمة شيخ الثوري وهو سلمة بن كهيل بالتصغير بن حصين الحضرمي والسند الثاني كله كوفيون (قوله ولم أسمع أحدا يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم غيره) وثبت كذلك عند مسلم في رواية وقائل ذلك هو سلمة بن كهيل ومراده أنه لم يسمع من أحد من الصحابة حديثا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا من جندب وهو ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور وهو من صغار الصحابة وقال الكرماني مراده لم يبق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ غيره في ذلك المكان قلت احترز بقوله في ذلك المكان عمن كان من الصحابة موجودا إذ ذاك بغير المكان الذي كان فيه جندب وليس كذلك فإن جندبا كان بالكوفة إلى أن مات وكان بها في حياة جندب أبو جحيفة السوائي وكانت وفاته بعد جندب بست سنين وعبد الله بن أبي أوفى وكانت وفاته بعد جندب بعشرين سنة وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين أن يكون مراده انه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا (قوله من سمع) بفتح المهملة والميم الثقيلة والثانية مثلها وقوله ومن يرائي بضم التحتية والمد وكسر الهمزة والثانية مثلها وقد ثبتت الياء في آخر كل منهما أما الأولى فللاشباع وأما الثانية فكذلك أو التقدير فإنه يرائي به الله ووقع في رواية وكيع عن سفيان عند مسلم من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يرائي الله به ولابن المبارك في الزهد من حديث ابن مسعود من سمع سمع الله به ومن را آي راأى الله به ومن تطاول تعاظما خفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وفي حديث ابن عباس عند (1) من سمع سمع الله به ومن را آي را أي الله به ووقع عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة ابن كهيل عن جابر في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة قال الخطابي معناه من عمل عملا على غير اخلاص وانما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة ومعنى يرائي به يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه ومنه قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها إلى قوله ما كانوا يعملون وقيل المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد وكان ذلك جزاءه على عمله ولا يثاب عليه في الآخرة وقيل المعنى من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه وسمعه المكروه وقيل المعنى من نسب إلى نفسه عملا صالحا لم يفعله وادعى خيرا لم يصنعه فإن الله يفضحه ويظهر كذبه وقيل المعنى من يراء الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل وحرمه إياه وقيل معنى سمع الله به شهره أو ملاء اسماع الناس بسوء الثناء عليه في الدنيا أو في القيامة بما ينطوي عليه من خبث السريرة (قلت) ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد فعند أحمد والدارمي من حديث أبي هند الداري رفعه من قام مقام رياء وسمعه راأى الله به يوم القيامة وسمع به وللطبراني من حديث عوف بن مالك نحوه وله من
(٢٨٨)