مما جعله محتما عليهم قاله ابن التيمي في التحرير وقال القرطبي حق الله على العباد هو ما وعدهم به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه (قوله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد والحكمة في عطفه على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك وتقدم أن الجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الاشراك به قال ابن حبان عبادة الله اقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح ولهذا قال في الجواب فما حق العباد إذا فعلوا ذلك فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول (قوله هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه) الضمير لما تقدم من قوله يعبدوه ولا يشركوا به شيئا في رواية مسلم إذا فعلوا ذلك (قوله حق العباد على الله أن لا يعذبهم) في رواية ابن حبان من طريق عمرو بن ميمون أن يغفر لهم ولا يعذبهم وفي رواية أبي عثمان يدخلهم الجنة وفي رواية أبي العوام مثله وزاد ويغفر لهم وفي رواية عبد الرحمن بن غنم أن يدخلهم الجنة قال القرطبي حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شئ بحكم الامر إذ لا آمر فوقه ولا حكم للعقل لأنه كاشف لا موجب انتهى وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم فيه مع قيام الاحتمال وقد تقدم في العلم عدة أجوبة غير هذه ومنها أن المراد بالحق هنا المتحقق الثابت أو الجدير لان إحسان الرب لمن لم يتخذ ربا سواه جدير في الحكمة أن لا يعذبه أو المراد أنه كالواجب في تحققه وتأكده أو ذكر على سبيل المقابلة قال وفي الحديث جواز ركوب اثنين على حمار وفيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وفضل معاذ وحسن أدبه في القول وفي العلم برده لما لم يحط بحقيقته إلى علم الله ورسوله وقرب منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تكرار الكلام لتأكيده وتفهيمه واستفسار الشيخ تلميذه عن الحكم ليختبر ما عنده ويبين له ما يشكل عليه منه وقال ابن رجب في شرحه لأوائل البخاري قال العلماء يؤخذ من منع معاذ من تبشير الناس لئلا يتكلوا أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها وقد سمعها معاذ فلم يزدد الا اجتهادا في العمل وخشية لله عز وجل فأما من لم يبلغ منزلته فلا يؤمن أن يقصر اتكالا على ظاهر هذا الخبر وقد عارضه ما تواتر من نصوص الكتاب والسنة أن بعض عصاة الموحدين يدخلون النار فعلى هذا فيجب الجمع بين الامرين وقد سلكوا في ذلك مسالك أحدها قول الزهري ان هذه الرخصة كانت قبل نزول الفرائض والحدود وسيأتي ذلك عنه في حديث عثمان في الوضوء واستبعده غيره من أن النسخ لا يدخل الخبر وبأن سماع معاذ لهذه كان متأخرا عن أكثر نزول الفرائض وقيل لا نسخ بل هو على عمومه ولكنه مقيد بشرائط كما ترتب الاحكام على أسبابها المقتضية المتوقفة على انتفاء الموانع فإذا تكامل ذلك عمل المقتضي عمله والى ذلك أشار وهب بن منبه بقوله المتقدم في كتاب الجنائز في شرح أن لا إله إلا الله مفتاح الجنة ليس من مفتاح الا وله أسنان وقيل المراد ترك دخول نار الشرك وقيل ترك تعذيب جميع بدن الموحدين لان النار لا تحرق مواضع السجود وقيل ليس ذلك لكل من وحد وعبد بل يختص بمن أخلص والاخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها ولا يتصور حصول التحقيق مع الاصرار على المعصية
(٢٩١)