جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب النوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها كما قال بعض الأكابر من شغله الفرض عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور (قوله فكنت سمعه الذي يسمع) زاد الكشميهني به (قوله وبصره الذي يبصر به) في حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه التي يبصر بهما بالتثنية وكذا قال في الاذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به ونحوه في حديث أبي أمامة وفي حديث ميمونة وقلبه الذي يعقل به وفي حديث أنس ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره الخ والجواب من أوجه أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى كنت سمعه وبصره في ايثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح ثانيها أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه الا إلى ما يرضيني ولا يرى ببصره الا ما أمرته به ثالثها المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره الخ رابعها كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه خامسها قال الفاكهاني وسبقه إلى معناه ابن هبيرة هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك الخ سادسها قال الفاكهاني يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله وهو أن يكون معنى سمعه مسموعه لان المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملي بمعنى مأمولي والمعنى انه لا يسمع الا ذكري ولا يلتذ الا بتلاوة كتابي ولا يأنس الا بمناجاتي ولا ينظر الا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده الا فيما فيه رضاي ورجله كذلك وبمعناه قال ابن هبيرة أيضا وقال الطوفي اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده واعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي قال والاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجئ جبريل في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو بعضه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الاصغاء إلى اللهو بسمعه ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره ومن البطش فيما لا يحل له بيده ومن السعي إلى الباطل برجله والى هذا نحا الداودي ومثله الكلاباذي وعبر بقوله احفظه فلا يتصرف الا في محابي لأنه إذا أحبه كره له أن يتصرف فيما يكرهه منه سابعها قال الخطابي أيضا وقد يكون عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء والنجح في الطلب وذلك أن مساعي الانسان كلها انما تكون بهذه الجوارح المذكورة وقال بعضهم وهو منتزع مما تقدم لا يتحرك له جارحة الا في الله ولله فهي كلها تعمل بالحق للحق وأسند البيهقي في الزهد عن أبي عثمان الجيزي أحد أئمة الطريق قال معناه كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الاسماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي وحمله بعض متأخري الصوفية على ما يذكرونه من
(٢٩٥)