المؤكد بالقسم وقد تقدم الجواب عما يتخلف من ذلك وفيه أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبا لله لا ينقطع عن الطلب من الله لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية وقد تقدم تقرير هذا واضحا في أوائل كتاب الدعوات (قوله وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن) وفي حديث عائشة ترددي عن موته ووقع في الحلية في ترجمة وهب بن منبه اني لأجد في كتب الأنبياء ان الله تعالى يقول ما ترددت عن شئ قط ترددي عن قبض روح المؤمن الخ قال الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ ولكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقه تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولابد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لان الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شئ أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى وما كان من لطمة عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وقال الكلاباذي ما حاصله انه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات أي عن الترديد بالتردد وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك قال وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر واليه مشتاق قال وقد ورد تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله أعلم وعن بعضهم يحتمل أن يكون تركيب الولي يحتمل أن يعيش خمسين سنة وعمره الذي كتب له سبعون فإذا بلغها فمرض دعا الله بالعافية فيجيبه عشرين أخرى مثلا فعبر عن قدر التركيب وعما انتهى إليه بحسب الاجل المكتوب بالتردد وعبر ابن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح وأضاف الحق ذلك لنفسه لان ترددهم عن أمره قال وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة فإن قيل إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد فالجواب أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت كأن يقال لا تقبض روحه الا إذا رضي ثم ذكر جوابا ثالثا وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده إليه فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بدا من امتثاله وجوابا رابعا وهو أن يكون هذا خطابا لنا بما نعقل والرب منزه عن حقيقته بل هو من جنس قوله ومن أتاني يمشي أتيته هرولة فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديبا فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر إلى ضربه لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج بخلاف سائر الأمور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعا دفعة (قوله يكره الموت وأنا أكره مساءته) في حديث عائشة أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته زاد ابن مخلد عن ابن كرامة في آخره ولا بد له منه ووقعت هذه الزيادة أيضا في حديث وهب وأسند البيهقي في الزهد عن الجنيد سيد الطائفة
(٢٩٧)