بما يفهم فإن الحرب ينشأ عن العداوة والعداوة تنشأ عن المخالفة وغاية الحرب الهلاك والله لا يغلبه غالب فكان المعنى فقد تعرض لاهلاكي إياه فاطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب قال الفاكهاني في هذا تهديد شديد لان من حاربه الله أهلكه وهو من المجاز البليغ لان من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله وقال الطوفي لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه فكأنما حارب الله (قوله وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه) يجوز في أحب الرفع والنصب ويدخل تحت هذا اللفظ جميع فرائض العين والكفاية وظاهره الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وفي دخول ما أوجبه المكلف على نفسه نظر للتقييد بقوله افترضت عليه الا ان أخذ من جهة المعنى الأعم ويستفاد منه ان أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله قال الطوفي الامر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الامرين وان اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريبا وأيضا فالفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء وفي الاتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الامر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل والذي يؤدي الفرض قد يفعله خوفا من العقوبة ومؤدى النفل لا يفعله الا إيثار للخدمة فيجازى بالمحبة التي هي غاية مطلوب من يتقرب بخدمته (قوله وما زال) في رواية الكشميهني وما يزال بصيغة المضارعة (قوله يتقرب إلي) التقرب طلب القرب قال أبو القاسم القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بايمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق الا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء ووقع في حديث أبي أمامة يتحبب إلي بدل يتقرب وكذا في حديث ميمونة (قوله بالنوافل حتى أحببته) في رواية الكشميهني أحبه ظاهره أن محبة الله تعالى للعبد تقع بملازمة العبد التقرب بالنوافل وقد استشكل بما تقدم أولا أن الفرائض أحب العبادات المتقرب بها إلى الله فكيف لا تنتج المحبة والجواب أن المراد من النوافل ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها ويؤيده أن في رواية أبي أمامة ابن آدم انك لن تدرك ما عندي الا بأداء ما افترضت عليك وقال الفاكهاني معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على اتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرها أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى وقال ابن هبيرة يؤخذ من قوله ما تقرب إلى آخره أن النافلة لا تقدم على الفريضة لان النافلة انما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى وأيضا فقد جرت العادة أن التقرب يكون غالبا بغير ما وجب على المتقرب كالهدية والتحفة بخلاف من يؤدي ما عليه من خراج أو يقضي ما عليه من دين وأيضا فإن من
(٢٩٤)