إذا أراد وأخرجه مسلم من هذا الوجه بلفظ إذا هم وكذا عنده من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فهما بمعنى واحد ووقع لمسلم أيضا من رواية همام عن أبي هريرة بلفظ إذا تحدث وهو محمول على حديث النفس لتوافق الروايات الأخرى ويحتمل أن يكون على ظاهره ولكن ليس قيدا في كتابة الحسنة بل بمجرد الإرادة تكتب الحسنة نعم ورد ما يدل على أن مطلق الهم والإرادة لا يكفي فعند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث خريم بن فاتك رفعه ومن هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها وقد تمسك به ابن حبان فقال بعد إيراد حديث الباب في صحيحه المراد بالهم هنا العزم ثم قال ويحتمل ان الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها وان لم يعزم عليها زيادة في الفضل (قوله فلم يعملها) يتناول نفي عمل الجوارح وأما عمل القلب فيحتمل نفيه أيضا إن كانت الحسنة تكتب بمجرد الهم كما في معظم الأحاديث لا ان قيدت بالتصميم كما في حديث خريم ويؤيد الأول حديث أبي ذر عند مسلم ان الكف عن الشر صدقة (قوله كتبها الله له) أي للذي هم بالحسنة (عنده) أي عند الله (حسنة كاملة) كذا ثبت في حديث ابن عباس دون حديث أبي هريرة وغيره وصف الحسنة بكونها كاملة وكذا قوله عنده وفيهما نوعان من التأكيد فأما العندية فإشارة إلى الشرف وأما الكمال فإشارة إلى رفع توهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد فكأنه قيل بل هي كاملة لا نقص فيها قال النووي أشار بقوله عنده إلى مزيد الاعتناء به وبقوله كاملة إلى تعظيم الحسنة وتأكيد أمرها وعكس ذلك في السيئة فلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله واحدة إشارة إلى تخفيفها مبالغة في الفضل والاحسان ومعنى قوله كتبها الله أمر الحفظة بكتابتها بدليل حديث أبي هريرة الآتي في التوحيد بلفظ إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها وفيه دليل على أن الملك يطلع على ما في قلب الآدمي اما باطلاع الله إياه أو بأن يخلق له علما يدرك به ذلك ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني قال ينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول يا رب انه لم يعمله فيقول انه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالسيئة رائحة خبيثة وبالحسنة رائحة طيبة وأخرج ذلك الطبري عن أبي معشر المدني وجاء مثله عن سفيان بن عيينة ورأيت في شرح مغلطاي أنه ورد مرفوعا قال الطوفي انما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة لان إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لان إرادة الخير من عمل القلب واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تضاعف لعموم قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأجيب بحمل الآية على عمل الجوارح والحديث على الهم المجرد واستشكل أيضا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لم يعتبر في حصول السيئة وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها لأنه قد نسخ قصده السيئة وخالف هواه ثم إن ظاهر الحديث حصول الحسنة بمجرد الترك سواء كان ذلك لمانع أم لا ويتجه أن يقال يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيا مع بقاء قصد الذي هم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر ولا سيما ان قارنها ندم على تفويتها واستمرت النية على فعلها عند القدرة وإن كان الترك من الذي هم من قبل نفسه فهي دون ذلك الا ان قارنها قصد الاعراض عنها جملة والرغبة عن فعلها ولا سيما ان وقع العمل في عكسها كأن يريد أن يتصدق بدرهم مثلا فصرفه بعينه في معصية فالذي يظهر في الأخير أن لا تكتب له حسنة أصلا وأما ما قبله فعلى
(٢٧٨)