كمن حفظ القرآن ولم يعمل بما فيه وقد ثبت الخبر في الخوارج انهم يقرؤن القرآن ولا يجاوز حناجرهم (قلت) والذي ذكره مقام الكمال ولا يلزم من ذلك أن لا يرد الثواب لمن حفظها وتعبد بتلاوتها والدعاء بها وإن كان متلبسا بالمعاصي كما يقع مثل ذلك في قارئ القرآن سواء فان القارئ ولو كان متلبسا بمعصية غير ما يتعلق بالقراءة يثاب على تلاته عند أهل السنة فليس ما بحثه ابن بطال بدافع لقول من قال إن المراد حفظها سردا والله أعلم وقال النووي قال البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها وهذا هو الاظهر لثبوته نصا في الخبر وقال في الاذكار هو قول الأكثرين وقال ابن الجوزي لما ثبت في بعض طرق الحديث من حفظها بدل أحصاها اخترنا أن المراد العد أي من عدها ليستوفيها حفظا (قلت) وفيه نظر لأنه لا يلزم من مجيئه بلفظ حفظها تعين السرد عن ظهر قلب بل يحتمل الحفظ المعنوي وقيل المراد بالحفظ حفظ القرآن لكونه مستوفيا لها فمن تلاه ودعا بما فيه من الأسماء حصل المقصود قال النووي وهذا ضعيف وقيل المراد من تتبعها من القرآن وقال ابن عطية معنى أحصاها عدها وحفظها ويتضمن ذلك الايمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والاعتبار بمعانيها وقال الأصيلي ليس المراد بالاحصاء عدها فقط لأنه قد يعدها الفاجر وانما المراد العمل بها وقال أبو نعيم الأصبهاني الاحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد وانما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والايمان بها وقال أبو عمر الطلمنكي من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعرفة بالأسماء والصفات وما تتضمن من الفوائد ويدل عليه من الحقائق ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالما لمعاني الأسماء ولا مستفيدا بذكرها ما تدل عليه من المعاني وقال أبو العباس بن معد يحتمل الاحصاء معنيين أحدهما أن المراد تتبعها من الكتاب والسنة حتى يحصل عليها والثاني أن المراد أن يحفظها بعد أن يجدها محصاة قال ويؤيده أنه ورد في بعض طرقه من حفظها قال ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أطلق أولا قوله من أحصاها دخل الجنة ووكل العلماء إلى البحث عنها ثم يسر على الأمة الامر فألقاها إليهم محصاة وقال من حفظها دخل الجنة (قلت) وهذا الاحتمال بعيد جدا لأنه يتوقف على أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بهذا الحديث مرتين إحداهما قبل الأخرى ومن أين يثبت ذلك ومخرج اللفظين واحد وهو عن أبي هريرة والاختلاف عن بعض الرواة عنه في أي اللفظين قاله قال وللاحصاء معان أخرى منها الاحصاء الفقهي وهو العلم بمعانيها من اللغة وتنزيهها على الوجوه التي تحملها الشريعة ومنها الاحصاء النظري وهو أن يعلم معنى كل اسم بالنظر في الصيغة ويستدل عليه بأثره الساري في ا لوجود فلا تمر على موجود الا ويظهر لك فيه معنى من معاني الأسماء وتعرف خواص بعضها وموقع القيد ومقتضى كل اسم قال وهذا أرفع مراتب الاحصاء قال وتمام ذلك أن يتوجه إلى الله تعالى من العمل الظاهر والباطن بما يقتضيه كل اسم من الأسماء فيعبد الله بما يستحقه من الصفات المقدسة التي وجبت لذاته قال فمن حصلت له جميع مراتب الاحصاء حصل على الغاية ومن منح منحى من مناحيها فثوابه بقدر ما قال والله أعلم (تنبيه) وقع في تفسير ابن مردويه وعند أبي نعيم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة بدل قوله من أحصاها دخل الجنة من دعا بها دخل الجنة وفي سنده حصين بن مخارق وهو ضعيف وزاد
(١٩٣)