عائشة المتقدم لما دعت ببعض الأسماء وبالأسماء الحسنى فقال لها صلى الله عليه وسلم انه لفي الأسماء التي دعوت بها الرابع عشر كلمة التوحيد نقله عياض كما تقدم قبل هذا واستدل بحديث الباب على انعقاد اليمين بكل اسم ورد في القرآن أو الحديث الثابت وهو وجه غريب حكاه ابن كج من الشافعية ومنع الأكثر لقوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله وأجيب بأن المراد الذات لا خصوص هذا اللفظ والى هذا الاطلاق ذهب الحنفية والمالكية وابن حزم وحكاه ابن كج أيضا والمعروف عند الشافعية والحنابلة وغيرهم من العلماء أن الأسماء ثلاثة أقسام أحدها ما يختص بالله كالجلالة والرحمن ورب العالمين فهذا ينعقد به اليمين إذا أطلق ولو نوى به غير الله ثانيها ما يطلق عليه وعلى غيره لكن الغالب إطلاقه عليه وأنه يقيد في حق غيره بضرب من التقييد كالجبار والحق والرب ونحوها فالحلف به يمين فان نوى به غير الله فليس بيمين ثالثها ما يطلق في حق الله وفي حق غيره على حد سواء كالحي والمؤمن فإن نوى به غير الله أو أطلق فليس بيمين وان نوى الله تعالى فوجهان صحح النووي أنه يمين وكذا في المحرر وخالف في الشرحين فصحح أنه ليس بيمين واختلف الحنابلة فقال القاضي أبو يعلى ليس بيمين وقال المجد بن تيمية في المحرر انها يمين (قوله من حفظها) هكذا رواه علي بن المديني ووافقه الحميدي وكذا عمرو الناقد عند مسلم وقال ابن أبي عمر عن سفيان من أحصاها أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريقه وكذا قال شعبة عن أبي الزناد كما تقدم في الشروط ويأتي في التوحيد قال الخطابي الاحصاء في مثل هذا يحتمل وجوها أحدها أن يعدها حتى يستوفيها يريد أنه لا يقتصر على بعضها لكن يدعو الله بها كلها ويثني عليه بجميعها فيستوجب الموعود عليها من الثواب ثانيها المراد بالاحصاء الا طاقة كقوله تعالى علم أن لن تحصوه ومنه حديث استقيموا ولن تحصوا أي لن تبلغوا كنه الاستقامة والمعنى من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها وهو أن يعتبر معانيها فيلزم نفسه بواجبها فإذا قال الرزاق وثق بالرزق وكذا سائر الأسماء ثالثها المراد بالاحصاء الإحاطة بمعانيها من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو عقل ومعرفة انتهى ملخصا وقال القرطبي المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له احصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين وقال غيره معنى أحصاها عرفها لان العارف بها لا يكون الا مؤمنا والمؤمن يدخل الجنة وقيل معناه عدها معتقدا لان الدهري لا يعترف بالخالق والفلسفي لا يعترف بالقادر وقيل أحصاها يريد بها وجه الله واعظامه وقيل معنى أحصاها عمل بها فإذا قال الحكيم مثلا سلم جميع أوامره لان جميعها على مقتضى الحكمة وإذا قال القدوس استحضر كونه منزها عن جميع النقائص وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل وقال ابن بطال طريق العمل بها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فان الله يحب أن يرى حلاها على عبده فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم فيجب على العبد الاقرار بها والخضوع لها وعدم التحلي بصفة منها وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة فهذا معنى أحصاها وحفظها ويؤيده أن من حفظها عدا وأحصاها سردا ولم يعمل بها يكون
(١٩٢)