على الكتاب العزيز أقرب وقد حصل بحمد الله تتبعها كما قدمته وبقي أن يعمد إلى ما تكرر لفظا ومعنى من القرآن فيقتصر عليه ويتبع من الأحاديث الصحيحة تكملة العدة المذكورة فهو نمط آخر من التتبع عسى الله أن يعين عليه بحوله وقوته آمين (فصل) وأما الحكمة في القصر على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر أنه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال انما خص هذا العدد إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسا وقيل الحكمة فيه أن معاني الأسماء ولو كانت كثيرة جدا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة وقيل الحكمة فيه أن العدد زوج وفرد والفرد أفضل من الزوج ومنتهى الافراد من غير تكرار تسعة وتسعون لان مائة وواحدا يتكرر فيه الواحد وانما كان الفرد أفضل من الزوج لان الوتر أفضل من الشفع لان الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق والشفع يحتاج للوتر من غير عكس وقيل الكمال في العدد حاصل في المائة لان الاعداد ثلاثة أجناس آحاد وعشرات ومئات والألف مبتدأ لآحاد أخر فأسماء الله مائة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدا فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وقال غيره ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيا بل هو الجلالة وممن جزم بذلك السهيلي فقال الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة والذي يكمل المائة الله ويؤيده قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه تكمل المائة واستدل بهذا الحديث على أن الاسم هو المسمى حكاه أبو القاسم القشيري في شرح أسماء الله الحسنى فقال في هذا الحديث دليل على أن الاسم هو المسمى إذ لو كان غيره كانت الأسماء غيره لقوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ثم قال والمخلص من ذلك أن المراد بالاسم هنا التسمية وقال الفخر الرازي المشهور من قول أصحابنا أن الاسم نفس المسمى وغير التسمية وعند المعتزلة الاسم نفس التسمية وغير المسمى واختار الغزالي أن الثلاثة أمور متباينة وهو الحق عندي لان الاسم إن كان عبارة عن اللفظ الدال على الشئ بالوضع وكان المسمى عبارة عن نفس ذلك الشئ المسمى فالعلم الضروري حاصل بان الاسم غير المسمى وهذا مما لا يمكن وقوع النزاع فيه وقال أبو العباس القرطبي في المفهم الاسم في العرف العام هو الكلمة الدالة على شئ مفرد وبهذا الاعتبار لا فرق بين الاسم والفعل والحرف إذ كل واحد منها يصدق عليه ذلك وانما التفرقة بينها باصطلاح النحاة وليس ذلك من غرض المبحث هنا وإذا تقرر هذا عرف غلط من قال إن الاسم هو المسمى حقيقة كما زعم بعض الجهلة فألزم أن من قال نار احترق فلم يقدر على التخلص من ذلك وأما النحاة فمرادهم بان الاسم هو المسمى أنه من حيث أنه لا يدل الا عليه ولا يقصد الا هو فإن كان ذلك الاسم من الأسماء الدالة على ذات المسمى دل عليها من غير مزيد أمر آخر وإن كان من الأسماء الدالة على معنى زائد دل على أن تلك الذات منسوبة إلى ذلك الزائد خاصة دون غيره وبيان ذلك أنك إذا قلت زيد مثلا فهو يدل على ذات متشخصة في الوجود من غير زيادة ولا نقصان فان قلت العالم دل على أن تلك الذات منسوبة للعلم ومن هذا صح عقلا أن تتكثر الأسماء المختلفة على ذات واحدة ولا توجب تعددا فيها ولا تكثيرا قال وقد خفي هذا على بعضهم ففر منه هربا من لزوم تعدد في ذات الله تعالى فقال إن المراد بالاسم التسمية ورأى أن هذا يخلصه من التكثر وهذا
(١٨٨)