فرار من غير مفر إلى مفر وذلك أن التسمية انما هي وضع الاسم وذكر الاسم فهي نسبة الاسم إلى مسماه فإذا قلنا لفلان تسميتان اقتضى أن له اسمين ننسبهما إليه فبقي الالزام على حاله من ارتكاب التعسف ثم قال القرطبي وقد يقال الاسم هو المسمى على إرادة أن هذه الكلمة التي هي الاسم تطلق ويراد بها المسمى كما قيل ذلك في قوله تعالى سبح اسم ربك الاعلى أي سبح ربك فأريد بالاسم المسمى وقال غيره التحقيق في ذلك أنك إذا سميت شيا باسم فالنظر في ثلاثة أشياء ذلك الاسم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعدها وهو الذات التي أطلق عليها اللفظ والذات واللفظ متغايران قطعا والنحاة انما يطلقونه على اللفظ لانهم انما يتكلمون في الألفاظ وهو غير مسمى قطعا والذات هي المسمى قطعا وليست هي الاسم قطعا والخلاف في الأمر الثالث وهو معنى اللفظ قبل التلقيب فالمتكلمون يطلقون الاسم عليه ثم يختلفون في أنه الثالث أولا فالخلاف حينئذ انما هو في الاسم المعنوي هل هو المسمى أولا لا في الاسم اللفظي والنحوي لا يطلق الاسم على غير اللفظ لأنه محط صناعته والمتكلم لا ينازعه في ذلك ولا يمنع إطلاق اسم المدلول على الدال وانما يزيد عليه شيئا آخر دعاه إلى تحقيقه ذكر الأسماء والصفات واطلاقها على الله تعالى قال ومثال ذلك أنك إذا قلت جعفر لقبه أنف الناقة فالنحوي يريد باللقب لفظ أنف الناقة والمتكلم يريد معناه وهو ما يفهم منه من مدح أو ذم ولا يمنع ذلك قول النحوي اللقب لفظ يشعر بضعة أو رفعة لان اللفظ يشعر بذلك لدلالته على المعنى والمعنى في الحقيقة هو المقتضي للضمة والرفعة وذات جعفر هي الملقبة عند الفريقين وبهذا يظهر أن الخلاف في أن الاسم هو المسمى أو غير المسمى خاص بأسماء الاعلام المشتقة ثم قال القرطبي فأسماء الله وان تعددت فلا تعدد في ذاته ولا تركيب لا محسوسا كالجسميات ولا عقليا كالمحدودات وانما تعددت الأسماء بحسب الاعتبارات الزائدة على الذات ثم هي من جهة دلالتها على أربعة أضرب الأول ما يدل على الذات مجردة كالجلالة فإنه يدل عليه دلالة مطلقة غير مقيدة وبه يعرف جميع أسمائه فيقال الرحمن مثلا من أسماء الله ولا يقال الله من أسماء الرحمن ولهذا كان الأصح أنه اسم علم غير مشتق وليس بصفة الثاني ما يدل على الصفات الثابتة للذات كالعليم والقدير والسميع والبصير الثالث ما يدل على إضافة أمر ما إليه كالخالق والرازق الرابع ما يدل على سلب شئ عنه كالعلي والقدوس وهذه الأقسام الأربعة منحصرة في النفي والاثبات واختلف في الأسماء الحسنى هل هي توقيفية بمعنى أنه لا يجوز لاحد أن يشتق من الافعال الثابتة لله أسماء الا إذا ورد نص اما في الكتاب أو السنة فقال الفخر المشهور عن أصحابنا انها توقيفية وقالت المعتزلة والكرامية إذا دل العقل على أن معنى اللفظ ثابت في حق الله جاز اطلاقه على الله وقال القاضي أبو بكر والغزالي الأسماء توقيفية دون الصفات قال وهذا هو المختار واحتج الغزالي بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه وكذا كل كبير من الخلق قال فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى واتفقوا على أنه لا يجوز أن يطلق عليه اسم ولا صفة توهم نقصا ولو ورد ذلك نصا فلا يقال ماهد ولا زارع ولا فالق ولا نحو ذلك وان ثبت في قوله فنعم الماهدون أم نحن الزارعون فالق الحب والنوى ونحوها ولا يقال له ماكر ولا بناء وان ورد ومكر الله والسماء بنيناها وقال أبو القاسم القشيري الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة
(١٨٩)