وسميت هذه الأحاديث بذلك لان في كل منها ما يحدث في القلب رقة قال أهل اللغة الرقة الرحمة وضد الغلظ ويقال للكثير الحياء رق وجهه استحياء وقال الراغب متى كانت الرقة في جسم فضدها الصفاقة كثوب رقيق وثوب صفيق ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب وقاسي القلب وقال الجوهري وترقيق الكلام تحسينه (قوله أخبرنا المكي) كذا للأكثر بالألف واللام في أوله وهو اسم بلفظ النسب وهو من الطبقة العليا من شيوخ البخاري وقد أخرج أحمد عنه هذا الحديث بعينه (قوله هو ابن أبي هند) الضمير لسعيد لا لعبد الله وهو من تفسير المصنف ووقع في رواية أحمد عن مكي ووكيع جميعا حدثنا عبد الله ابن سعيد ابن أبي هند وعبد الله المذكور من صغار التابعين لأنه لقي بعض صغار الصحابة وهو أبو أمامة بن سهل (قوله عن أبيه) في رواية يحيى القطان عن عبد الله بن سعيد حدثني أبي أخرجه الإسماعيلي (قوله عن ابن عباس) في الرواية التي بعدها سمعت ابن عباس (قوله نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) كذا لسائر الرواة لكن عند أحمد الفراغ والصحة وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل بن جعفر وابن المبارك ووكيع كلهم عن عبد الله بن سعيد بسنده الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ولم يبين لمن اللفظ وأخرجه الدارمي عن مكي بن إبراهيم شيخ البخاري فيه كذلك بزيادة ولفظه ان الصحة والفراغ نعمتان من نعم الله والباقي سواء وهذه الزيادة وهي قوله من نعم الله وقعت في رواية ابن عدي المشار إليها وقوله نعمتان تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وقيل هي المنفعة المفعولة على جهة الاحسان للغير والغبن بالسكون وبالتحريك وقال الجوهري هو في البيع بالسكون وفي الرأي بالتحريك وعلى هذا فيصح كل منهما في هذا الخبر فان من لا يستعملهما فيما ينبغي فقد غبن لكونه باعهما ببخس ولم يحمد رأيه في ذلك قال ابن بطال معنى الحديث أن المرأ لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون وأشار بقوله كثير من الناس إلى أن الذي يوفق لذلك قليل وقال ابن الجوزي قد يكون الانسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون وتمام ذلك ان الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن الا الهرم كما قيل يسر الفتى طول السلامة والبقا * فكيف ترى طول السلامة تفعل يرد الفتى بعد اعتدال وصحة * ينوء إذا رام القيام ويحمل وقال الطيبي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقة في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق والحذق لئلا يغبن فالصحة والفراغ رأس المال وينبغي له أن يعامل الله بالايمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة وقريب منه قول الله تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم الآيات وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله
(١٩٦)