وأما قولكم: أن عمر إذ عارض النبي لأنه كان في حالة المرض، ولو كان في حالة الصحة لما عارضه، فإنه كلام ساقط ردئ جدا، لان النبي صلى الله عليه وآله حال أمره بالكتاب لا يخلو، أن يكون متصفا بالعقل وأن أمره صدر من إرادة جازمة أو غير ذلك، ولا سبيل إلى الثااني لقوله تعالى (وما ينطق عن الهوى (1) ولأنه ورد أيضا عنه عليه السلام أن ابن آدم قرب موته يكون على أحسن ما يكون من الانتباه وصحة العقل، وهذه الحالة مشاهدة لكل من راقب الأموات والتفت إلى ما يصدر منهم قرب موتهم، وأما كلمة صاحبك فإنها تدل أنه تكلم بها عن هوى نفسه، لأنها كلمة منكرة والاعتراض عليها موجه لا يمكنك أنت ولا أحد من أصحابك دفعه، ومن الأول أي صدور الامر من النبي حال كونه صحيح العقل يلزم اتباع أوامره والانقياد إلى إرادته في قبول الأقوال، لأنه واجب الطاعة في جميع الأحوال فلا يسوغ الاجتهاد حينئذ، لان الامر الواقع منه إيجاب وإلزام بما أمر به، فيكون نصا يقتضي وجوب العمل به فالرد عليه رد لجيمع الأوامر الشرعية، وذلك على حد الشرك بالله نعوذ بالله تعالى. وما أعجب حالكم وأكثر تلونكم في أموركم كأنكم تتكلمون كما أطفال في المكتب، تارة تقولون: إن النبي ليهجر حال طلبه كتابة الكتاب، وتارة تسدلون على أمامة أبي بكر بأنه أمره بأن يصلي بالناس في حال مرضه بل في شدة مرضه ولا تحتملون أنه كان يهجر حين ذلك الامر! وإلا فكيف تجعلون ذلك حجة على خلافته ووجوب اتباعه وتجعلون الامر منه بالكتاب الذي فيه صلاح الأمة وعدمه حصول الاختلاف بينهم محتملا للهذيان وتسوغون لعمر أن يمنع منه بالاجتهاد لجواز أن يكون هذرا وهذيانا في اجتهاده؟ وكيف لا يحتمل في ذلك مثله مع أنهما وقعا معا في حالة المرض؟ إن هذا إلا قلة إنصاف وخبط.
(٤٥١)