وأعجب من هذا أنكم تستدلون على خلافة عمر بأن أبا بكر نص عليه بها مع أن ذلك إن وقع منه حالة المرض بإجماع الكل فكيف لم يحتمل كلام أبي بكر للهذيان والهذر واحتمل كلام النبي صلى الله عليه وآله ذلك؟ فهل كان أبو بكر أكمل من النبي وأتم؟ وما أحسن ما قال بعضهم في هذا المعنى:
أوصى النبي فقال قائلهم * قد ظل يهجر سيد البشر لكن أبو بكر أصاب فلم * يهجر وقد أوصى إلى عمر فعندما سمع هذا الكلام قال مظهرا للغيظ والغضب: إن وقوع هذه اللفظة منه قلة حياء وسوء أدب لأنكم أيها العرب موصوفون بقلة الحياء وسوء الأدب ولا خطيئة عليه، لأنه ترك الأدب في ذلك وهو أمر مندوب.
فقلت: الحمد الله، فإنك قد اعترفت بأن هذه اللفظة صدرت منه لقلة أدبه وادعيت أن العرب موصوفون بقلة الأدب، فأقول:
أما قلة الأدب فهو وصف قد اتصف به هو دون غيره، وذلك وصمة عليه لا تمحى وعيب يعاب به، لان من صحب النبي مدة عشرين سنة مع ما كان عليه النبي من الاخلاق الكريمة والشيم المرضية والآداب الشرعية والعقلية، وقد وصفه الله تعالى بذلك في قوله (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال عليه السلام:
(إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق) وقد جمعها الله في قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف) فكيف هذا المصاحب للنبي هذه المدة لم يتأدب بأدب هذا النبي الكريم الذي صحبه وعاشره هذه المدة؟ وكيف يسوغ لك مع قولك: إنه عظم الشأن وأنه من أتباع النبي وخواصه أن تصفه بقلة الأدب؟ وما ذاك إلا لقلة مبالاته بالدين، وأن اتباعه للدين إنما كان لنيل الخظوظ الدنيوية، فلو كان اتباعه للدين لكان كالمتدينى الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وآله وتأدبوا بآدابه وعملوا بسنته واتبعوا طريقته وسلكوا آثاره، فلما اعترفت لصاحبك بقلة الأدب ووصفته بهذه الصفة علم أنه لم يكن من جملة هذه