قولك: إنه لم يقصد ظاهرها... إلى آخر الكلام، فهو اعتراف منك أن ظاهرها منكر قبيح، وأنك تحاول الاعتذار عن سيدك عمر بالمراوغة والتمحلات وإلا فمن أين لك الاطلاع على قصده حتى عرفت أنه لم يقصد ظاهرها مع أنه تلفظ بها متعمدا، واللفظ إذا صدر عن إرادة دل بظاهره على إرادة المتكلم، وظاهر الكلام دل على أنه منكر؟ فادعاؤك عدم قصده يحتاج إلى دليل. وأما قولك: إنه أخرج هذه اللفظة على مقتضى خشونة طبعه وقوة عزيزته، فإن ذلك اعتذار غير مقبول عند العقلاء، ولا مرضي عند ذي دين، ولا يسقط معه التكليف، لان كل مكلف يقتضي طبعه الميل إلى الشهوات والنفور عن الحق مع أنه مكلف بكسر شهوته ومخالفتها والاذعان إلى الحق، فكان الواجب على عمر حينئذ كسر هذه الغريزة وتليين طبعه الخشن وقطع هذه العادة والاصغاء والاستماع لأقوال النبي والاتباع له وترك مخالفته في جميع الأحوال، لأنه مكلف بذلك، فبأي دليل ساغ له ترك ما كان واجبا عليه والتسرع إلى الرد على النبي والتهجم عليه بالكلام المنكر على مقتضى طبعه؟ إن ذلك لم يقع منه إلا لعدم علمه بالتكاليف أو شدة تسرعه إلى تركها.
وأما قولك: إن قوله: أن نبيكم ليهجر مشتق من هجر يهجر مهاجرة فيكون معناه أن نبيكم ليهاجر، فقول مردود من جهة اللفظ والمعنى.
أما من جهة اللفظ فإن الاشتقاق الذي ذكرته لم يقل به أحد، ولما وصلت في اعتراضي عليه إلى هذا الموضع أنكر عليه ذلك الملا المدرس هذه اللفظة فقال له: ليس هكذا الاشتقاق، بل هو من هجر يهجر هجرا لا مهاجرة فإن ذلك على غير القياس، ووإذا كان معناها ذلك فلا تحتمل إلا الهجر الذي هو الهذيان، ويرد عليك ما قاله الشيخ، فاعترف بالخطأ في ذلك.
ثم عدت فقلت: وأما غلطك من جهة المعنى فإن قولك: ان النبي ليهاجر كلام لا فائدة فيه، لان المهاجرة قد انقطعت والنبي في تلك الحالة غير متصور