رواحة " ولم يرض لهم أن يختاروا لأنفسهم، أفكان يترك أمته؟ ولا بين لهم خليفته فيهم بعده؟ بلى ما تركهم في عمى ولا شبهة، بل ركب القوم ما ركبوا بعد نبيهم وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله، فهلكوا وهلك من شايعهم، وضل من تابعهم، فبعدا للقوم الظالمين.
فقال معاوية: يا ابن عباس إنك لتتفوه بعظيم! والاجتماع عندنا خير من الاختلاف، وقد علمت أن الأمة لم تستقم على صاحبك. فقال ابن عباس:
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها "، وإن هذه الأمة أجمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، والصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وأشياء كثيرة من طاعة الله ونهي الله، مثل تحريم الزنا، والسرق، وقطع الأرحام، والكذب، والخيانة. واختلفت في شيئين: أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه، وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرأ بعضها من بعض (1) فالملك والخلافة زعمت أنها (2) أحق بهما من أهل بيت نبي الله صلى الله عليه وآله فمن أخذنا بما ليس أهل القبلة اختلاف (3)، ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله، سلم ونجى من النار، ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلف فيهما، ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه وعرفه ولاة الأمر ومعدن العلم أين هو فعرف ذلك كان سعيدا ولله وليا، وكان نبي الله صلى الله عليه وآله يقول: " رحم الله عبدا قال حقا فغنم، أو سكت فلم