" عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " فكان ذلك مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وتزويجه ابنته، على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت، وما كان القوم إلا كبني أم واحدة، ولم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط، ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع.
فقال أبو جعفر - رحمه الله -:
قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا وردا على أبي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي، وأنا أخرجه إليكم لاستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه، فإني أجد ألما يمنعني من الإطالة في الحديث، لا سيما إذا خرج مخرج الجدل ومقاومة الخصوم. ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس واستحسنه الحاضرون، وأنا أذكر هاهنا خلاصة:
قال: لولا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه، وضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها أو صح الخبر عنها بقوله:
سبحانه: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " وبقوله تعالى: " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء " وبقوله سبحانه: " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم "، ولاجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه وولاية أوليائه، وعلى أن البغض في الله واجب والحب في الله واجب، لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين ولا البراءة منه، ولكانت عداوتنا للقوم تكلفا.
ولو ظننا أن الله عز وجل يعذرنا إذا قلنا: " يا رب غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى " لاعتمدنا على هذا العذر