بافتقاده، وحول الأمر إلى من يشاء من عباده دخلنا في جملة المسلمين، فلم ننزع يدا عن طاعة ولم نصدع صفاة جماعة، على أن لك منا ما ظهر، وقلوبنا بيد الله، وهو أملك بها منك، فاقبل صفونا وأعرض عن كدرنا، ولا تتركوا من الأحقاد، فإن النار تقدح بالزناد.
قال معاوية: وإنك لتهددني يا أخا طي بأوباش العراق! أهل النفاق ومعدن الشقاق.
فقال: يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق، وحبسوك في المضيق، وذادوك عن سفن الطريق، حتى لذت منهم بالمصاحف ودعوت إليها من صدق بها وكذبت وآمن بمنزلها وكفرت وعرف من تأويلها ما أنكرت.
فغضب معاوية وأدار طرفه فيمن حوله، فإذا جلهم من مضر ونفر قليل من اليمن، فقال: أيها الشقي الخائن! إني لأخال أن هذا آخر كلام تفوه به.
وكان عقير (عفيرة خ) بن سيف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ، فعرف موقف الطائي ومراد معاوية، فخافه عليهم فهجم عليهم الدار وأقبل على اليمانية فقال: شاهت الوجوه! ذلا وقلا وجدعا وقلا! كشم الله هذه الأنف كشما مرعبا.
ثم التفت إلى معاوية، فقال: إني والله يا معاوية ما أقول قولي هذا حبا لأهل العراق ولا جنوحا إليهم، ولكن الحفيظة تذهب الغضب، لقد رأيتك بالأمس خاطبت أخا ربيعة - يعني صعصعة بن صوحان - وهو أعظم جرما عندك من هذا وأنكأ لقلبك وأقدح في صفاتك وأجد في عداوتك وأشد انتصارا في حربك، ثم أثبته وسرحته، وأنت الآن مجمع على قتل هذا - زعمت - استصغارا لجماعتنا، فإنا لا نمر ولا نحلى، ولعمري! لو وكلتك أبناء قحطان إلى قومك لكان جدك العاثر وذكرك الداثر وحدك المغلول وعرشك المثلول، فأربع على ظلعك واطونا على بلالتنا، ليسهل لك حزننا ويتطامن لك شاردنا،