من كتابه العزيز، ولما قال في حق القائل: " وغضب الله عليه ولعنه " وليس المراد من قوله: " ولعنه " إلا الأمر لنا بأن نلعنه، ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه، لأن الله تعالى قد لعنه، أفيلعن الله إنسانا ولا يكون لنا أن نلعنه؟ هذا ما لا يسوغ في العقل، كما لا يجوز أن يمدح الله انسانا إلا ولنا أن نمدحه، ولا يذمه إلا ولنا أن نذمه، وقال تعالى: " هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله " وقال: " ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا " وقال عز وجل: " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ".
وكيف يقول القائل: إن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن؟ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه وأمر بعداوة أعدائه؟ فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري، ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له:
تلفظ بكلمة الشهادتين ثم قل: برئت من كل دين يخالف دين الإسلام؟
فلا بد من البراءة، لأن بها يتم العمل ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:
تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك أن الرأي عنك لعازب!
فمودة العدو خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البراءة، لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله وعصاته - بألا يودهم ولا يبرأ منهم - بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة.
وأما قوله: " لو جعل عوض اللعنة استغفر الله لكان خيرا له " فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه، لأنه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره في إمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البراءة وإظهار البراءة منه، والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر.
وأما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس: فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو