أما بعد، فإنه أتاني منك كتاب يا عمر تؤنبني وتعيرني، وتذكر فيه أنك بعثتني أميرا على أهل المدائن، وأمرتني أن أقص أثر حذيفة وأستقصي أيام أعماله وسيره ثم أعلمك قبيحها، وقد نهاني الله عن ذلك يا عمر في محكم كتابه حيث قال: " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم " وما كنت لأعصي الله في أثر حذيفة وأطيعك.
وأما ما ذكرت: أني أقبلت على سف الخوص وأكل الشعير، فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله يا عمر! لأكل الشعير وسف الخوص والاستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب وعن غصب مؤمن حقه وادعاء ما ليس له بحق أفضل وأحب إلى الله عز وجل وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أصاب الشعير أكل وفرح به ولم يسخطه.
وأما ما ذكرت: من إعطائي، فإني قدمته ليوم فاقتي وحاجتي، ورب العزة يا عمر! ما أبالي إذا جاز طعامي لهواتي وانساغ في حلقي ألباب البر ومخ المعز كان أو خشارة الشعير.
وأما قولك: إني ضعفت سلطان الله وهنته وأذللت نفسي وامتهنتها حتى جهل أهل المدائن إمارتي واتخذوني جسرا يمشون فوقي ويحملون علي ثقل حمولتهم، وزعمت أن ذلك مما يوهن سلطان الله ويذله.
فاعلم: أن التذلل في طاعة الله أحب إلي من التعزز في معصيته وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله يتألف الناس ويتقرب منهم ويتقربون منه في نبوته وسلطانه حتى كأنه بعضهم في الدنو منهم، وقد كان يأكل الجشب ويلبس الخشن وكان الناس عنده قرشيهم وعربيهم وأبيضهم وأسودهم سواء في الدين.