ولقد كان يحاور في كل سنة بجراء فأراه، ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله - صلى الله عليه وآله - وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.
ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه - صلى الله عليه وآله - فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: (هذا الشيطان قد أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير وإنك لعلى خير. ولقد كنت معه - صلى الله عليه وآله لما أتاه الملاء من قريش، فقالوا له: يا محمد إنك قد أدعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك، ونحن نسألك أمرا إن أنت أجبتنا إليه وأريتناه، علمنا أنك نبي ورسول، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب. فقال صلى الله عليه وآله: (وما تسألون؟) قالوا:
تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعرقها وتقف بين يديك، فقال صلى الله عليه وآله: إن الله على كل شئ قدير، فإن فعل الله لكم ذلك، أتؤمنون وتشهدون بالحق؟) قالوا: نعم، قال: (فإني سأريكم ما تطلبون، وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير، وإن فيكم من يطرح في القليب، ومن يحزب الأحزاب). ثم قال صلى الله عليه وآله: (يا أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أنى رسول الله، فانقلعي بعرقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله) فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعرقها، وجاءت ولها دوى شديد، وقصف كقصف أجنحة الطير، حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مرفرفة وألقت بغصنها الاعلى على رسول الله صلى الله عليه وآله وببعض أغصانها على منكبي، وكنت عن يمينه صلى الله عليه وآله، فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا - علوا واستكبارا -: فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دويا، فكادت تلتف برسول الله صلى الله عليه وآله، فقالوا - كفرا وعتوا -: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان، فأمره صلى الله عليه وآله فرجع، فقلت أنا: لا إله إلا الله، إني أول مؤمن بك يا رسول الله، وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقا بنبوتك، وإجلالا لكلمتك. فقال القوم كلهم: بل ساحر كذاب، عجيب السحر خفيف فيه، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا! (يعنونني) وإني لمن قوم لا تأخذهم في