وما قيل، أو يقال فيه، فذلك كله خارج عن مهمتنا في هذا البحث.
وما يهمنا أن نشير إليه: أن توسع البحث الفقهي وتكامله دفع الفقهاء إلى استكشاف أدلة جديدة للاستنباط، فيما إذا لم يجدوا في المورد نصا أو لم يقتنعوا بسلامة النص من حيث السند، أو الدلالة.
فوجدوا في إجماع فقهاء المذاهب عامة، أو فقهاء الطائفة في عصر واحد دليلا على وجود نص شرعي يجوز الاعتماد عليه، إذ لا يمكن أن يجمع فقهاء المذاهب على حكم من دون وجود نص على ذلك أو دليل على سلامة الحكم، إذ لا يمكن أن يخطأ فقهاء الأمة جميعا دون أن يحصل منهم من ينشق عليهم، ويصيب الواقع.
وظهر الاحتجاج بالإجماع بصورة واضحة في هذا العصر وعند (الشيخ الطوسي) بصورة خاصة.
ومؤلفات الفقهاء المتقدمين على هذا العصر - وإن كانت لا تخلو عن التمسك بالإجماع - إلا أن هذه الظاهرة تبدو في كتب الشيخ بصورة خاصة، وفي آثار هذه المدرسة بصورة عامة أكثر من أي وقت سابق.
ولا يخلو هذه الظاهرة على أي حال من دلالة على توسع البحث الفقهي وتكامله، والحاجة إلى أدلة جديدة يسندها الكتاب والسنة والعقل.
ويتضح مما تقدم أن البحث الفقهي خطأ خطوة كبيرة في هذه المرحلة من حياته، وأشرف على أعتاب مرحلة جديدة بعد أن خلف وراءه مرحلة طويلة، ودخل دور المراهقة حاملا تجارب ثلاثة قرون حافلة بالجهود المثمرة، والتجارب الخصبة.
وبلغت التجربة الجديدة قمتها في حياة (الشيخ الطوسي) حيث قام بمحاولات تجديدية جريئة في تطوير عملية الاستنباط على الصعيد الفقهي والأصولي.