بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن أن الجبال لو حملت عنوة (1) كانت لتنهض به، فرأيت الناس من أهلي من بين جازع لا يملك جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوي على حمل فادح (2) ما نزل به قد أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والاستمتاع و سائر الناس من [غير] بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر بعد وفاته لزمت الصمت والاشتغال بما أمرني الله به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته وجمع أمانة الله وكتابه وعهده الذي حملناه إلى خلقه واستودعناه فيهم لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لاذع حرقة ولا جليل مصيبة (3) حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، فاحتملته صابرا " محتسبا ".
ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
وأما الثانية يا أخا اليهود فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني في حياته على جميع أمته و أخذ على من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب في ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمور في حياة النبي صلى الله عليه وآله ولا بعد وفاته، ثم أمر الله رسوله بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله له من المرض الذي توفاه فيه فلم يدع النبي صلى الله عليه وآله أحدا " من قبائل العرب و قريش والأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف علي نقضه أو منازعته ولا أحدا " ممن يراني بعين البغضاء ممن قد قهرته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم من المؤلفة قلوبهم والمنافقين لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ولئلا يقول قائل شيئا " مما أكره في جواره ولا يدفعني دافع عن الولاية والقيام