لي، فأرقت ليلتي وأصبحت كئيبا "، فلما كان من القابلة أتاني نصف الليل وأنا راقد، فرفسني برجله وقال: اجلس، فجلست وأنا ذعر، فقال: اسمع، قلت: وما أسمع؟ قال:
عجبت للجن وألبابها * وركبها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادقوا الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم * أحمد إذ هو خير أربابها قلت: قد والله أفصحت، فأين هو؟ قال: ظهر بمكة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا " رسول الله، فأصبحت ورحلت ناقتي ووجهتها قبل مكة، فأول ما دخلتها لقيت أبا سفيان - وكان شيخا " ضالا " - فسلمت عليه وسألته عن الحي، فقال: والله إنهم مخصبون (1) إلا أن يتيم أبي طالب قد أفسد علينا ديننا، قلت: وما اسمه؟ قال: محمد أحمد (2)، قلت: وأين هو؟ قال: تزوج بخديجة ابن خويلد فهو عليها نازل، فأخذت بخطام ناقتي ثم انتهيت إلى بابها فعقلت ناقتي ثم ضربت الباب، فأجابتني: من هذا؟ فقلت: أنا أردت محمدا "، فقالت:
اذهب إلى عملك ما تذرون محمدا " يأويه ظل بيت قد طردتموه وهربتموه وحصنتموه، اذهب إلى عملك، قلت: رحمك الله إني رجل أقبلت من اليمن وعسى الله أن يكون قد من علي به فلا تحرميني النظر إليه وكان رحيما " صلى الله عليه وآله - فسمعته يقول: يا خديجة افتحي الباب، ففتحت فدخلت فرأيت النور في وجهه ساطعا " نور في نور، ثم درت خلفه فإذا أنا بخاتم النبوة مختوم على كتفه الأيمن فقبلته، ثم قمت بين يديه وأنشأت أقول:
أتاني بجني بعد هدو ورقدة * ولم يك فيما قد تلوت بكاذب (3) ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب فشمرت من ذيلي الأزار ووسطت * بي الذعلب الوجناء بين السباسب (4) فمرنا بما يأتيك يا خير قادر * وإن كان فيما جا تشيب الذوائب (5)