لأضر ذلك بالأبدان وأسقمها. كما أن أحدكم لو خرج من حمام حار موضع البرودة، لضره ذلك وأسقم بدنه فلم يجعل عز وجل هذا الترسل في الحر والبرد، إلا للسلامة ضرر المفاجأة ولم جرى الأمر على ما فيه السلامة من ضرر المفاجأة لولا التدبير في ذلك؟ فإن زعم زاعم: إن هذا الترسل في دخول الحر والبرد إنما يكون لإبطاء مسير الشمس في ارتفاعها وانحطاطها، سئل عن العلة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها وانحطاطها، فإن اعتل في الابطاء ببعد ما بين المشرقين (1) سئل عن العلة في ذلك، فلا تزال هذه المسألة ترقى معه إلى حيث رقي من هذا القول، حتى استقر عن العمد والتدبير.. لولا الحر لما كانت الثمار الجاسية (2) المرة تنضج فتلين وتعذب، حتى يتفكه بها رطبة ويابسة.. ولولا البرد لما كان الزرع يفرخ (3) هكذا، ويريع الريع (4) الكثير الذي يتسع للقوت، وما يرد الأرض للبذر... أفلا ترى ما في الحر والبرد، من عظيم الغناء والمنفعة، وكلاهما مع غنائه والمنفعة فيه يؤلم الأبدان ويمضها (5) وفي ذلك عبرة لمن فكر، ودلالة على أنه من تدبير الحكيم، في مصلحة العالم وما فيه.
(الريح وما فيها) وانبهك يا مفضل على الريح وفيها، ألست ترى ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب، الذي يكاد أن يأتي على النفوس، ويمرض الأصحاء، وينهك المرضى، ويفسد الثمار، ويعفن البقول، ويعقب الوباء في الأبدان،