والنحاس والرصاص والفضة والذهب والزبرجد والياقوت والزمرد (1) وضروب الحجارة، وكذلك ما يخرج منها من القار والموميا والكبريت والنفط (2) وغير ذلك مما يستعمله في مأربهم فهل يخفى على ذي عقل إن هذه كلها ذخائر ذخرت للإنسان في هذه الأرض، ليستخرجها فيستعملها عند الحاجة إليها، ثم قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها على حرصهم واجتهادهم في ذلك فإنهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان لا محالة سيظهر، ويستفيض في العالم، حتى تكثر الفضة والذهب، ويسقطا عند الناس. فلا تكون لهما قيمته. ويبطل الانتفاع بهما في الشراء والبيع والمعاملات، ولا كان يجبي السلطان الأموال ولا يدخرهما أحد للأعقاب، وقد أعطى الناس - مع هذا - صنعة الشبه (3) من النحاس، والزجاج من الرمل. والفضة من الرصاص، والذهب من الفضة، وأشباه ذلك مما لا مضرة فيه.
فانظر كيف أعطوا إرادتهم في ما لا ضرر فيه، ومنعوا ذلك فيما كان ضارا لهم لو نالوه، ومن أوغل في المعادن انتهى إلى واد عظيم يجري منصلتا بماء غزير، لا يدرك غوره، ولا حيلة في عبوره، ومن ورائه أمثال الجبال من الفضة.
تفكر الآن في هذا، من تدبير الخالق الحكيم، فإنه أراد جل ثناؤه أن يرى العباد قدرته، وسعه خزائنه، ليعلموا أنه لو شاء أن يمنحهم كالجبال من الفضة لفعل، لكن لا صلاح لهم في ذلك، لأنه لو كان فيكون فيها - كما ذكرنا - سقوط هذا الجوهر عند الناس، وقلة انتفاعهم به. واعتبر ذلك بأنه قد يظهر الشئ الظريف مما يحدثه من الأواني والأمتعة، فما دام عزيزا قليلا، فهو نفيس جليل آخذ الثمن، فإذا فشا وكثر في أيدي الناس، سقط عندهم وخست قيمته.. ونفاسة الأشياء من عزتها.