واحدة لأن ذلك كان يخل به (1) فيما يحتاج إلى معالجته من الأشياء ألا ترى أن النجار والبناء لو شلت إحدى يديه لا يستطيع أن يعالج صناعته، وإن تكلف ذلك لم يحكمه، ولم يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت يداه تتعاونان على العمل.
(الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان وعمل كل منها) أطل الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت، واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم. ألا ترى أن من سقطت أسنانه لم يقم السين، ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء، وأشبه (2) شئ بذلك المزمار (3) الأعظم، فالحنجرة تشبه قصبة المزمار، والرئة تشبه الزق (4) الذي ينفخ فيه لتدخل الريح، والعضلات التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الزق حتى تجري الريح في المزامير والشفتان والأسنان التي تصوغ الصوت حروفا ونغما كالأصابع تختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره ألحانا غير أنه وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالآلة والتعريف فإن المزمار - في الحقيقة - هو المشبه بمخرج الصوت.