(معرفة العقل للخالق معرفة إقرار لا معرفة إحاطة) وعلى حسب هذا أيضا نقول: إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الاقرار، ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته.. فإن قالوا فكيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف، ولا يحيط به؟ قيل لهم إنما كلف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه، وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه، ولم يكلفوا الإحاطة بصفته، كما أن الملك لا يكلف رعيته أن يعلموا أطويل هو أم قصير، وأبيض هو أم أسمر، وإنما يكلفهم الاذعان لسلطانه، والانتهاء إلى أمره. ألا ترى أن رجلا لو أتى باب الملك، فقال: أعرض علي نفسك حتى اتقصى معرفتك، وإلا لم أسمع لك كان قد أحل نفسه بالعقوبة... فكذا القائل أنه لا يقر بالخالق سبحانه، حتى يحيط بكنهه متعرضا لسخطه.. فإن قالوا: أو ليس قد نصفه؟ فنقول هو العزيز الحكيم الجواد الكريم؟ قيل لهم كل هذه صفات إقرار، وليست صفات إحاطة، فإنا نعلم أنه حكيم، ولا نعلم بكنه ذلك منه، وكذلك قدير وجواد وسائر صفاته، كما قد نرى السماء، فلا ندري ما جوهرها، ونرى البحر ولا ندري أين منتهاه، بل فوق هذا المثال بما لا نهاية له، ولأن الأمثال كلها تقصر عنه، ولكنها تقود العقل إلى معرفته.. فإن قالوا: ولم يختلف فيه؟ قيل لهم: لقصر الأوهام عن مدى عظمته، وتعديها أقدارها في طلب معرفته، وأنها تروم الإحاطة به، وهي تعجز عن ذلك وما دونه.
(الشمس واختلاف الفلاسفة في وضعها وشكلها ومقدارها) فمن ذلك هذه الشمس التي تراها تطلع على العالم ولا يوقف على حقيقة أمرها.. ولذلك كثرت الأقاويل فيها، واختلفت الفلاسفة المذكورون في وصفها، فقال بعضهم هو فلك أجوف مملوء نارا، له فم يجيش بهذا الوهج