وتزول أحيانا عن ذلك، لأعراض تعرض لها، فيستدل بذلك أنها مصرفة مدبرة فقيرة إلى إبداء الخالق وقدرته في بلوغ غايتها، وإتمام عملها، تبارك الله أحسن الخالقين.
يا مفضل خذما آتيتك، واحفظ ما منحتك، وكن لربك من الشاكرين، ولآلائه من الحامدين، ولأوليائه من المطيعين، فقد شرحت لك من الأدلة على الخلق، والشواهد على صواب التدبير والعمد، قليلا من كثير، وجزءا من كل، فتدبره وفكر فيه واعتبر به فقلت بمعونتك يا مولاي أقر على ذلك، وأبلغه إن شاء الله.. فوضع يده صدري فقال احفظ بمشيئة الله، ولا تنس إن شاء الله، فخررت مغشيا علي، فلما أفقت قال: كيف ترى نفسك يا مفضل؟ فقلت: قد استغنيت بمعونة مولاي وتأييده عن الكتاب الذي كتبته وصار ذلك بين يدي كأنما اقرأه من كفي، فلمولاي الحمد والشكر كما هو أهله ومستحقه.
فقال: يا مفضل فرغ قلبك، وأجمع إليك ذهنك وعقلك وطمأنينتك فسألقي إليك من علم ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله بينهما وفيهما من عجائب خلقه، وأصناف الملائكة وصفوفهم ومقاماتهم ومراتبهم إلى سدرة المنتهى، وسائر الخلق من الجن والإنس، إلى الأرض السابعة السفلى وما تحت الثرى، حتى يكون ما وعيته جزءا. من أجزاء انصرف إذا شئت مصاحبا مكلوءا، فأنت منا بالمكان الرفيع، وموضعك من قلوب المؤمنين موضع الماء من الصدى ولا تسألن عما وعدتك حتى أحدث لك منه ذكرا.
قال المفضل: فانصرفت من عند مولاي بما لم ينصرف أحد بمثله.