والآفة في الغلات. ففي هذا بيان: إن هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الخلق.
(الهواء والأصوات) وأنبئك عن الهواء بخلة أخرى، فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء، والهواء يؤديه إلى المسامع (1) والناس يتكلمون في حوائجهم ومعاملاتهم طول نهارهم وبعض ليلهم، فلو كان أثر الكلام يبقى في الهواء، كما يبقى الكتاب في القرطاس، لامتلأ العالم منه، فكان يكربهم ويفدحهم، وكانوا يحتاجون في تجديده والاستبدال به، إلى أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس، لأن ما يلفظ الكلام أكثر مما يكتب، فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه الهواء قرطاسا خفيا يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم، ثم يمحى فيعود جديدا نقيا، ويحمل ما حمل أبدا بلا انقطاع، وحسبك بهذا النسيم المسمى هواء عبرة، وما فيه من المصالح، فإنه حياة هذه الأبدان، والممسك لها من داخل، بما يستنشق منه من خارج بما يباشر من روحه، وفيه تطرد هذه الأصوات فيؤدي البعد البعيد.. وهو الحامل لهذه الأرواح ينقلها موضع إلى موضع... ألا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح، فكذلك الصوت، وهو القابل لهذا الحر والبرد، اللذين يتعاقبان على العالم لصلاحه، ومنه هذه الريح الهابة فالريح تروح عن الأجسام