(الطائر الطويل الساقين والتدبير في ذلك) هل رأيت يا مفضل هذا الطائر الطويل الساقين (1) وعرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه، فإنه أكثر ذلك في ضحضاح (2) من الماء فتراه بساقين طويلين، كأنه ربيئة (3) فوق مرقب (4) وهو يتأمل ما يدب في الماء، فإذا رأى شيئا مما يتقوت به، خطا خطوات رقيقا حتى يتناوله، ولو كان قصير الساقين وكان يخطو نحو الصيد ليأخذه، يصيب بطنه الماء، فيثور ويذعر منه، فيفرق عنه، فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته ولا يفسد عليه مطلبه.
تأمل ضروب التدبير في خلق الطائر، فإنك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق، وذلك ليتمكن من تناول طعمه من الأرض ولو كان طويل الساقين قصير العنق، لما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض وربما أعين مع العنق بطول المناقير، ليزداد الأمر عليه سهولة وإمكانا أفلا ترى أنك لا تفتش شيئا من الخلقة إلا وجدته على غاية الصواب والحكمة.
(العصافير وطلبها للأكل) أنظر إلى العصافير، كيف تطلب أكلها بالنهار فهي لا تفقده ولا تجده مجموعا معدا، بل تناله بالحركة والطلب، وكذلك الخلق كله فسبحان من