وتزجي السحاب من موضع إلى موضع، ليعم نفعه، حتى يستكشف فيمطر، وتفضه حتى يستخف فيتفشى وتلقح الشجر، وتسير السفن، وترخى الأطعمة وتبرد الماء، وتشب النار، وتجفف الأشياء الندية، وبالجملة إنها تحيي كل ما في الأرض... فلولا الريح لذوي النبات، ولمات الحيوان، وحمت الأشياء وفسدت.
(هيئة الأرض) فكر يا مفضل فيما خلق الله عز وجل عليه الجواهر الأربعة (1) ليتسع ما يحتاج إليه منها.. فمن ذلك سعة هذه الأرض وامتدادها، فلولا ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس ومزارعهم ومراعيهم ومنابت أخشابهم وأحطابهم والعقاقير العظيمة والمعادن الجسيم غناؤها. ولعل من ينكر هذه الفلوات (2) الخاوية والقفار الموحشة. فيقول: ما المنفعة فيها؟ فهي مأوى هذه الوحوش ومحالها ومراعيها، ثم فيها بعد تنفس، ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم، فكم بيداء وكم فدفد (3) حالت قصورا وجنانا، بانتقال الناس إليها وحلولهم فيها، ولولا سعة الأرض وفسحتها لكان الناس كمن هو في حصار ضيق لا يجد مندوحة عن وطنه إذا أحزنه أمر يضطره إلى الانتقال عنه.